منذ أيام قليلة أفاقت القاهرة على خبر القبض على جاسوس اسرائيلى فى مصر و هلل البعض و كبر البعض الاخر و أعلن العديد من أبناء هذا الشعب الطيب رضاهم التام عن روعة عمل جهاز المخابرات المصرية و مثلى مثل معظم المصريين فرحت بخبر القبض على الجاسوس ndash; لعنة الله عليه- الذى بكل تأكيد أراد ببلدنا سوء و قفزت الى ذهنى صورة محسن ممتاز (يوسف شعبان ) رجل المخابرات الفذ الذى نال اعجابى منذ الطفولة ndash; ربما أكثر من رأفت الهجان نفسه- و تخيلته هو- أو شخص مثله و يمتلك نفس حنجرته- و هو يلقى القبض على الاسرائيلى الدخيل و تخيلت الجاسوس و هو منهار و يستعد للاعتراف بكل جرائمه فى حق هذا البلد الطيب..تخيلت هذا المشهد و فى الخلفية موسيقى للمبدع عمار الشريعى.

و لكن بعد أن هدأت نشوة الانتصار الساحق على الموساد و بدأت أخبار القضية تنتشر فى وسائل الاعلام بشكل سريع و مكثف و نزل ألبوم الصور الكامل الخاص بالقضية..بدأت أتعجب من كم الصور و التفاصيل الذى نزل الى الاعلام فجأة متتبعاً كل ما ينشر عن الجاسوس و مدققاً فيه فوجدت الأمر يبعث على الضحك و أنه كله لا يعدو كونه خدعة كبيرة من جهة ما هدفها ابعاد أنظار الرأى العام عن القضايا الملحة مثل محاكمة مبارك و زبانيته أو

الحديث عن الانتخابات و خلافه بل و أعتقد- و الله أعلم ndash; أن هناك بعض الجهات التى حاولت استغلال الحدث للايحاء بأن نظرية الاجندات صحيحة و أن من كانوا فى التحرير ما هم الا جواسيس أو عملاء للجواسيس أو شباب مخدوع لا يدرى أنه لعبة فى يد اسرائيل.

و الحقيقة أن هذا الجاسوس المسكين لا يمكن أن يكون جاسوساً بأى حال من الأحوال..فاذا أرادت اسرائيل حقاً أن ترسل جاسوساً الى مصر فلن يكون هذا الجاسوس ضابط اسرائيلى شارك فى حرب لبنان و لديه صور فى الحرب أكثر من الصور التى يلتقطها أحد منا فى مناسبة سعيدة و كلها موجودة ايضاً على اللاب توب الخاص به كذلك لن يأتى شخصاً ما ليتجسس فيلتقط صورة ضاحكة فى كل أماكن تجسسه ( التحرير، الأزهر، امبابة، الهرم، الأقصر ) بل و يحتفظ بكل تلك الصور ( الاسرائيلية و المصرية ) معاً على جهاز واحد..

تخيلوا معى لو أن رأفت الهجان كان يملك جهاز كومبيوتر يحتوى فى ملف ( فولدر ) على صور له مع رجال المخابرات المصرية أثناء تناولهم للقهوة فى المنزل الامن الذى تلقى فيه رأفت تدريباته و على ملف ( فولدر ) اخر يملك صوراً له مع سيرينا اهارونى ورجال الكنيست الاسرائيلى.. انه أمر هزلى حقاً.

كما أن هذا الجاسوس ملامحه اسرائيلية الى درجة لا تصدق و أعتقد أن الموساد ndash; و اذا افترضنا فيه الغباء- فلا يمكن أن يصل الى هذة الدرجة من السذاجة فيرسل جاسوساً الى مصر تقول ملامحه أنه اسرائيلى يهودى صهيونى حتى عاشر جد بل و يملك صفحة باسمه ( الاسرائيلى ) على الفيس بوك و يغير ايضاً صورته الشخصية يومياً واضعاً صوره أثناء التجسس رغم أن التحقيقات قالت أنه دخل البلاد بجواز سفر أوروبى !!

هناك ايضاً نقطة فى غاية الخطورة و الأهمية و هى اذا صدقنا أن هذا جاسوس و أنه جاء للتجسس فترى ما هو هدفه و ما هى المعلومات الخطيرة التى يمكن أن يحصل عليها من التحرير أو من الأماكن التى زارها؟ أعتقد أنه لم يكن ليحصل على أكثر من المعلومات المتاحة على صفحة شبكة رصد على الفيس بوك و المتاحة على موقع تويتر و كان يكيفه أن يقوم بعمل ( فولو ) لعشرين شخصاًُ معروفاً على تويتر ليحصل على كل المعلومات التى سيحصل عليها من الشارع المصرى او يجلس فى اسرائيل امناً يتابع برامج التاك شو و الانترنت للحصول على المعلومات و تحليلها.

اما اذا افترضنا جدلاُ أنه جاء للوقيعة بين الجيش و الشعب و قام بتوزيع منشورات تدعو لاقالة المجلس العسكرى فأكبر الظن أنه كان يحتاج الى شبكة مكونة من مئات او الاف الأشخاص للعمل على هذة الفكرة اما أن يكون هذا الشاب النحيل سبباً فى الفتنة الطائفية و سبباًُ فى الوقيعة بين الجيش و الشعب فهو أمر لا يقبله عقلى البسيط.

نهاية فان القصة كلها تبدو هزلية جداً و على الرغم من ان الجانب المصرى قد أراد أن يظهر بمظهر البطل الهمام الذى يطهر مصر من الجواسيس فقد انتهى الأمر بأن أصبح الجانب المصرى مثير للشفقة من فرط عدم سبكه للطبخة التى أراد أن يؤكلها للشعب الطيب.

ملحوظة أخيرة: أعرف جاسوساً ndash;حقيقياً ndash; لاسرائيل يرقد الان فى شرم الشيخ بدعوى الاكتئاب النفسى و أعتقد أن الدلائل على تجسسه أقوى و أوضح.