يمكن التأكيد على أن التحديات الحقيقية والخطيرة التي تواجه العالم العربي الآن تتلخص في حاجته لوضع تفاسير للنصوص المقدسة تكون قادرة على تجميع الأسرة البشرية باتجاه هدف واحد يترجم في تحقيق السعادة والحرية والعدالة الاجتماعية للبشر كل البشر بما يتفق مع المقاصد العليا للمشيئة الإلهية. ولذلك وجب على المؤمنين قبل غيرهم أن يفهموا ويفحصوا النصوص المقدسة فهما يخرج منها الخير المنشود وإلا أصبحوا مقاومين ومعاندين بغير قصد لمشيئة الله في الأرض.

وإذا كان الأصل في النص أنه ثابت في عدد الحروف والكلمات وثابت في ترتيب الكلمات، والصرف والنحو والتنقيط، فإن هذه النظرية يجب ألا تتعارض مع نظرية أن النص صالح لكل زمان ومكان. وفك الاشتباك بين النظريتين يدفع باتجاه تحريك النص في العقل البشري بحيث يكون متحركا بحرية في عقل الإنسان الذي يجتهد في فهمه، وأن يكون النص نشطاً في عقل الإنسان ما يجعله متوافقا مع ثقافة الأولويات التي تتغير بتغير الوعي الإنساني في إحداثيات الزمان والمكان. كيف نفسر هذا الكلام؟

فإذا ما تأملنا موضوع قطع يد السارق فسوف نجد سيلا لا ينقطع من الأسئلة الصعبة والتي ربما لا يوجد للكثير منها إجابات حتى اليوم. ما هو تعريف السارق؟، وما هو تعريف السرقة؟ ما هو تعريف اليد وهل هي أية أداة أم المقصود بها يد الإنسان الجسدية فقط؟، وهل إذا سرق برجليه أو بعقله أو عن طريق تحريض آخرين يكون سارقا وكيف يعاقب عندئذً؟. وما هي العلاقة بين فعل السرقة واليد؟

قديما كانت السرقة تعني للإنسان سرقة الأشياء المادية.. سرقة البهائم وسرقة الأموال وغيرها من الأشياء التي هي ملك للآخر وكان الإنسان يستخدم في ذلك يديه. هذا الفهم كان سائدا عند الإنسان في ذلك الزمان فلم يكن يعرف بعد، ولم يكن قد أكتسب بعد الخبرات الكافية التي يمتلكها إنسان القرن الحالي ولذا كان يعتقد أن اليد هي التي تسرق أو تنفذ فعل السرقة.
الآن ومع تطور علم النفس والطب النفسي وعلوم الاجتماع وغيرها أكتشف الإنسان أن المسئول الرئيسي عن تنفيذ السرقة هو العقل البشري وليس اليد المسكينة فالعقل هو الذي خطط وانحرف عن المسارات الطبيعية للعلاقات الإنسانية ولذلك فهو المخطئ. فالعقل عن طريق بعض المراكز المسئولة في مخ الإنسان هو الذي يعطي الأوامر لليد للسرقة. وبالتالي فقطع اليد لن يردع الإنسان عن السرقة مادام العقل لم يتم علاجه وسيظل السارق سارقا مستخدما في ذلك يديه ورجليه وكل ما يملك وربما يستخدم أناس آخرين.

أيضاً فقد أكتشف الإنسان أن سرقة الأشياء المادية ليست هي المشكلة التي تواجه البشر.. فاللصوص الذين يسرقون بالنصوص سعادتنا بنشر ثقافة الخوف والعذاب والبؤس وكراهية الحياة هم السارقين الذين يجب أن يعاقبوا!! والذين يسرقون الأمن والآمان من البشر المسالمين الأبرياء، أولئك الذين يروعون الآمنين ليل نهار ويهددون سلامهم ويستخدمون في ذلك النصوص هم اللصوص الذين يجب أن يعاقبوا! والذين يسرقون الطبيعة بإفساد البيئة المادية والمعنوية هم اللصوص الذين يجب أن يعاقبوا!! وإذا كان السارق يعاقب بقطع يده! فسارق براءة الأطفال وبهجتهم من أجل ملذاته فبماذا يعاقب؟

والذي يحتقر الجمال وينشر القبح في المكان وعلى الإنسان فيسلبك السعادة ويسرق منك البهجة أليس هذا الإنسان أيضا سارق. وإن كان هناك ثمة حكم شرعي بقطع يد السارق فما الحكم على من يسرقون ثورات الشعوب المقهورة أليس هؤلاء أيضا لصوص؟ وهل يكتفي بقطع اليد فقط أم سرقة عن سرقة تختلف في الكم والكيف؟ وما عساك أن تقول في أولئك الذين يسرقون حياة الناس ويجعلوهم يعيشون كالأموات تحت وطأة قوانين ونواميس ثقيلة بحجة أنها نصوص إلهية بينما هم يحيون بدونها في نعيم وخيرات أليس هؤلاء هم اللصوص الفعليين؟ والمتتابعة لا تنتهي من أنواع اللصوص وأشكال السرقات.. هؤلاء جميعا لصوص يسرقون ما هو أهم وأفضل للإنسان من سرقة أمواله أو ممتلكاته المادية. هؤلاء وغيرهم أشد خطراً وفتكا بالبشرية من سرقة الممتلكات المادية.

لدي قناعة ثابتة أن النصوص والأحكام جاءت لتبصير الناس بأهمية نشر الفضيلة والعمل على محاربة الفساد بكل صوره وأشكاله وعلاج الفاسدين بالطريقة المناسبة. أعتقد أن التطبيق الحرفي للنص يقتل النص أما التطبيق بالمعني ٌيبقي النص حيا على مر الأزمان ويجعله متحركا ليشمل كل المكان.

نحن بحاجة إلى إعادة تفسير النصوص وحمايتها من اللصوص الفعليين قبل معاقبة اللصوص الظاهرين وذلك بفقه العقل المتحرك وليس بفقه الجهل المتجمد. وعلى من لا يستطيعون فعل ذلك لقلة الإمكانيات العقلية وضعف الثقافة العامة وقلة الخبرات الحضارية ألا يقفوا عائقا أمام المستنيرين والعقلاء الذين ينيرون الطريق بأفكارهم وعلمهم من اجل مصلحة البشرية جمعاء بما فيها هؤلاء التعساء.. التحية للجميع.

[email protected]