مبدأية السؤال ترجع الى المسؤولية الأخلاقية للضرر الفادح الذي أصاب المؤسسات المالية العراقية وطرق النهب العام لثروة البلد نتيجة أعمال الأرهاب والأهمال الشامل لمن نفترض أنهم من حماة العراق بعد عام 2003 وفوضى التحريرالتي رافقته.الأعتقاد بأن اكبر سرقة مالية في التاريخ الأميركي أو تاريخ العراق المعاصر سيتم كشف خيوطها هو أعتقاد يستند على الأوهام لا الأرقام لسوء عملية الملاحقة القانونية وضعف الضوابط الأخلاقية في دول عديدة رغم التحقيقات (اللانظامية المبعثرة للتدقيق المالي) التي غرضها معرفة مصير الأموال التي كانت مجمدة من زمن الرئيس السابق صدام حسين وتمّ شحن قوالب منها مابين واشنطن و بغداد بعد احتلالها في عامي 2003 و2004 وطرق شحن صناديق من البنك المركزي العراقي الى الولايات المتحدة في قوالب بلاستيكية على طائرات نقل عسكرية C-130 في عهد الرئيس الاميركي السابق جورج بوش.

ويعتقد أن الاموال العراقية التي كانت مجمدة في بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي التي تُقدر مابين6.5 و.10 بليون دولار تم أختلاسها من مجموع 61 بليون دولار كانت مخصصة لإعادة إعمار العراق. وتتهم كل من الجهات العراقية والأمريكية بعضها بالاستيلاء على اموال وتحويلها من قبل شخصيات في مجلس الحكم االأمريكي العراقي المنحل والفوضى السياسية للعقود التجارية التي عمت بعد ذلك وعصابات تابعة لمليشيات سهّلتْ عملية أختلاس وتهريب أموال وتزوير عقود. ستيوارت بوين المفتش الأمريكي العام لايحدد بالأشارة الجهة التي نظمت عمليات السرقة لأنعدام الضوابط المالية الصارمة في بداية احتلال العراق وتوزيع بعض الأموال على الوزارات العراقية والمقاولين لعمليات الأعمار. وشكك النائب الديمقراطي الأمريكي هنري واكسمان بأمكانية العثور على تلك الاموال التي سرقت داخل العراق رافضاً اي محاولة لتعويض الاموال المسروقة من قبل الولايات المتحدة، وسبق ان ترأس واكسمان قبل ست سنوات، جلسات استجواب نيابية حول الاحتيال وتبديد الاموال وسوء المعاملة في العراق وابدى واكسمان،الذي يعد واحداً من أشد المنتقدين لحرب احتلال العراق، إستغرابه من إرسال 336 طناً من الأموال النقدية إلى منطقة حرب.

المسؤولون العراقيون يتفادون التصريحات الصريحة والدقة ويلجأون الى التصريحات المكثفة quot; للتهدئة أو الأثارة أو المبالغة في التقليل من الأثارة والأهمالquot;. ويلاحظ الأبتعاد عن الشفافية رغم ورودها على ألالسنة الحكومية الناطقة مرات ومرات في أحاديث لا تتوفر فيها المستلزمات الواقعية، حين تُغلق أفواه الأختصاصيين في الشؤون المالية الحسابية وتدقيق الأرقام وتسدُ طرقات عدالة القانون والقضاء المستقل للخوض في جدل سياسي عقيم، تفتح فيه أبواب وأروقة للمطالبين بالعدالة الألهية بالأدعية الدينية وشتم اللصوص والسراق.

والمستلزمات الواقعية يجب أن تمتد الى دول ومؤسسات شاركت في عقود مزورة وتحديد مسؤولية الضرر المادي Liability أِن كان في سجلات الرقابة المالية. وهي بطبيعة الحال لاتخص فقط الصراع الحاصل على خلفية أسترداد الجزء الطفيف من أموال بذمة مدير البنك التجاري العراقي والمطالبة بمحاكمته التي تتم بطرق أستعراضية.
عدم تسديد ديون ليست سابقة جديدة !
quot;أموال عراقية مسروقة يجب أن تُستردquot;. فهل ستُسترد ؟
ليس من السهولة لمن لم يدرس طرق التفكير السياسي لقادة المجتمع الأمريكي وضغوطهم أن يفهم أسباب جون أيكنبيريJohn Ikenberry شجب سياسة quot;الأستراتيجية الضخمة للأمبريالية الجديدة quot; التي نمت وتصاعدت في عهد الرئيس جورج بوش بعد عام 2000 والتي ستؤدي في رأيه الى ألحاق الضرر بسمعة الولايات المتحدة في العالم. بكلمة أخرى، لاتستطيع الولايات المتحدة حماية مصالحها التجارية والبترولية، بسياسة التلويح بالقوة العسكرية وسيطرة أساطيلها بحزام بحري حول العالم وتورطها في مناطق صراع عديدة، وهي كذلك، لاتستطيع تسديد ديونها الخارجية والوفاء بألتزاماتها المالية حيث وصل سقف الديون المستحقة الى أفلاس الخزينة الفدرالية الأمريكية وكساد أقتصادي أسوأ مما كان عليه عام 1931. أما بالنسبة للدول الدائنة كالصين واليابان ودول عربية خليجية مثلاً، فأن عليها أن تتحمل ضررعلاقاتها السياسية والمالية لتوظيفها وأستثمارها في الولايات المتحدة.

فما علاقة أستحقاق الديون بالعراق؟ أن سابقة عدم تسديد ديون مستحقة لم يبدأها الرئيس السابق صدام فقط ولم تبدأها مصرأو اليونان أو الأتحاد السوفيتي السابق فهي ظاهرة تجارية أستغلالية تستند في حالات خاصة على قوة الدولة وقرارات دول ومنظمات تساندها بتحكيم قانون الغاب وأختلاق أسباب عدم أمكانية التسديد أو عدم وجوبيته، وربما يدرك أكثرنا تفوق الدولة الصهيونية في هذا الصدد في حالات الأستغلال والملاحقات القضائية والابتزاز الدولي. أختفاء ماقيمته billion 40 بليون دولار لعقود تجارية مزيفة، تتحرى عن أختفائها، كما يُدعى، لجنة خاصة في مجلس النواب العراقي ولجنة تحقيقية أخرى برئاسة Henry Waxman، هنري واكسمن رئيس لجنة الأصلاحات الحكومية في مجلس النواب الأمريكي، ماهو أِلا نفخ وأطلاق بالونات حارة عن تحقيقات لاتؤدي الى نتائج. فالحقيقة كما جاءت من المفتش الأمريكي العام Stuart Bowen بأنه تم، وللمرة الثالثة، أجراء التدقيق والفحوصات والتحقيقات الحسابية دون التوصل الى نتائج عن أختفاء الأموال العراقية.

ألأستراتيجية المالية الأمريكية الجديدة التي يضع تفاصيلها وخطوطها خبراء المال والأستشاريين الأمريكيين والأعضاء العاملين في لجان الكونجرس، ستجد الظروف الملائمة الأضطرارية لأن تقوم بتغيير جدولة الديون التي يجب أن تُسدد الى دول أستدانت منها الولايات المتحدة أو تلك التي جمدت أموالها داخل المؤسسة المالية الأمريكية كالعراق، و أيجاد طرق أحتيال مفبركة بنصوص تجارية وقانونية وحجج مصرفية لتمديد أمد تسديد بعض الديون الخارجية، وفي حالات أخرى شطبها وعدم تُسديدها، الأمر الذي سيحيل عدد من الدول لمقاضاة الولايات المتحدة في محكمة العدل الدولية في لاهاي. وفي رأيي، أذا أستطاع العراق تحصيل ثلث ماسرقته منه الأدارة الأمريكية منذ عام 2003، فأني سأجد نفسي في موقف الخطأ وزاوية الأعتذار. أما لماذا أظن quot;طار الخيط والعصفورquot; رغم أستماتة البعض لمعرفة النتائج، فذلك فصل طويل لايتسع المكان المخصص للمقال ذكر حتى القليل من تفاصيله وتعقيداته.
وفي عشية زيارة رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي على رأس وفد نيابي الى الولايات المتحدة وماسينتج عنها، لايستطيع أي مُطلع له خبرة أن يتوقع أنجاز حقيقي وتحديد مسؤولية الضرر الفادح الذي أصاب العراق، مع أن وسائل الأعلام quot; السياسيةquot; ستتوج الزيارة بالنجاح وتضليلها بصيغ كلامية لم تَعد مفهومة في عالم المال والسياسة اليوم.
نحن بأنتظار صفحة جديدة لم تُكتب فصولها بعد.

[email protected]