واحدة من المتداولات الشعبية المليئة بالإحباط والسخرية وربما اليأس من المسؤولين ووعدوهم هي تلك التي تقول ( من يقرأ ومن يكتب!؟ ) كناية عن عدم اهتمام أو متابعة المسؤولين لشؤون الأهالي، ويقابل ذلك أيضا لدى الكثير من الكتاب والمثقفين عموما تداول ربما يومي بصيغة ذات السؤال في بلداننا الشرق أوسطية ومن شابهها من بلدان العالم والأكثر مرارة وحرقة، ذلك المتعلق بمتابعة المسؤولين كبارا وصغارا حتى رؤوس الهرم في الهيكل الإداري للدولة ( الرئاسات الثلاث! ) لما يكتبه الكتاب او الصحفيين خارج المديح والتدليس والصور السوبرمانية، وفي كل الأحوال يستثنى دوما القليل من الذين يجيدون القراءة والكتابة أو ممن يقرأون فعلا، وربما هناك القليل منهم من يقرأ كتابا او بحثا لاعتمادهم على ملخصات مكثفة من مستشارين متهمين دوما بالإهمال او السطحية!؟
ومن هنا دعونا نحول المثل الشعبي اللاذع ( من يقرأ ومن يكتب؟ ) الى سؤال مبسط عن هذا الموضوع بعد أن ندع الكتابة جانبا على اعتبار ان الكثير من المسؤولين تخصصوا في التوقيع الأخضر او الأحمر فقط وأحيانا كتابة بعض الخواطر او الملاحظات، إذن لنعود الى السؤال:
هل يقرأ المسؤول فعلا؟
لا اعرف؛ لكنني اشك بسبب مشاغله المزدحمة دوما، حتى ان البعض منهم لا يرفع سماعة تلفونه ليرد، علما بأن رنة التلفون لا تفرق عن دقة الباب أي باب البيت وما تعنيه، ورغم ان الاسم يظهر عند الطرفين بفضل خدمات الاتصالات، الا ان البعض منهم لا يكلف نفسه بالرد او الاعتذار لاحقا لأنه وربما ايضا قد رأى وجهه الكريم في حوض الماء بدرا لا مثيل له؟
وبالتأكيد لكل منكم جواب آخر يختلف او يتفق فيه معي، لكنني أعود ثانية وبعد أن يثبت لنا انه يقرأ وليس بالضرورة أن يكتب، لنسأل:
ماذا يقرأ وكم من الزمن ( يقتل ) في قراءته؟
عذرا قرائي الأعزاء هنا ايضا لا اعرف، لكنني ازعم من مشاهداتي ان الأكثرية منهم مولعين بالأبراج وأخبار الفضائح ونصوص مقابلاتهم وتصريحاتهم لوسائل الأعلام ولديهم شغف في قراءة التقارير السرية وتمحيصها والاطلاع على صور احدث الموديلات للسيارات والملابس وحديثا يبحث الكثير منهم عن ديكورات وإكسسوارات أحواض السباحة والميني بار!؟
وقد وضعنا مفردة يقتل بين قوسين للتأكيد على ان الزمن لدينا محكوم بالإعدام مذ خلقنا والخلاف فقط في كيفية وآلية التنفيذ، فترانا نقتله في الجايخانات مثلا أو في القيل والقال او الحروب والمشاجرات أو لا سامح الله بالقراءة او المطالعة او مشاهدة فلم او مسلسل أو اشياء أخرى مصنعة خصيصا لقتل الملل، وجزا الله خيرا الأتراك في مسلسلاتهم وأصحاب الفيس بوك اللذين أنقذوا الأمة من الضياع!؟
استطيع أن اجزم انهم قلة نادرة تلك التي تتواصل وتتأثر وتقرأ كما نفهم القراءة نوعيا على مقياس ما عرفناه قديما عن المكتبات العامة والتهافت على الكتب، بل والتسابق على قراءتها في مختلف المجالات عند أول نزولها في ( وقتها لم يكن هناك انترنيت او اتصالات سريعة والاعتماد على دور النشر والتسويق )، بل ان الأكثرية الساحقة منهم يقضون أوقاتهم او يقتلونها سواء أثناء تأدية مسؤولياتهم في مكاتب بمنتهى الفخامة والأبهة، او ما بعد ذلك في امور لا تتعلق إطلاقا بالدوائر او المؤسسات التي يديرونها، إلا أولئك الذين يفرضون استثنائهم شئنا أم أبينا فنراهم دوما في ميادين العمل والفكر والإنتاج وبين مرؤوسيهم معظم ساعات العمل.
ورغم إن العصر الحالي وثورة الاتصالات أتاحت فرصا ذهبية للقراءة ومتابعة ما يكتب أو ينشر بآلية سهلة، من خلال تصفح الانترنيت الذي يكاد ينتشر في طول البلاد وعرضها، وبالذات في مكاتب المسؤولين المملوءة بما لذ وطاب من الصحف اليومية والأسبوعية والمجلات، إضافة الى شاشات الكومبيوتر التي يطل منها الأصدقاء والأحباب، إلا أن المتداول الأكثر شيوعا بين الأهالي ما يزال يصر على:
( من يقرأ ومن يكتب!؟ )
والدليل على ذلك عدم تطور وكفاءة الأداء الإداري في مفاصل الدولة والمجتمع عموما، ومن ثم تقهقر كثير من الخدمات المهمة واضمحلال العلاقة بين الفرد ومؤسسته الحاكمة صغيرة كانت أم كبيرة، مع تطور كبير في اثاث المكاتب واكسسواراتها وتضخم هائل في الروتين والبيروقراطية، مما أشاع هذا النمط من الإحباط والسخرية لدى مساحات واسعة من الأهالي تجاه كثير من المسؤولين والقائمين على إدارة الدولة والمجتمع مع علمنا المؤكد بأن معظمهم يجيدون القراءة والكتابة وربما حاصلين على شهادات فخمة ايضا تلائم أثاث وإكسسوارات مكاتبهم!؟
وأخيرا تبقى التنمية البشرية هي الأهم والأكثر لزوما، ويبقى شعار المسؤول المناسب في المكان المناسب هو الاكثر الحاحا في التطبيق لتجاوز ظاهرة الفساد، وإلا فما فائدة نهضة عمرانية ومؤسسات ضخمة وفخمة دون ان يكون لدينا كوادر نوعية تجيد استخدامها لا اشغالها فقط!؟
التعليقات