منذ بدء الثورات العربية، في تونس حيث البداية، والسؤال كان لماذا لا يتحرك الشعب السوري؟ والإجابات كانت متنوعة، لكنها كانت تقف عند عامل رئيسي وهو القمع الذي حكم البلاد لأكثر من أربعة عقود، والذاكرة السورية المليئة، بقصص القتل والاعتقال المزمن أو الاعتقال حتى الموت، القمع وما سببه من خوف أعتقدنا جميعا أنه تجذر إلى قعر لا حدود له، هذا الأمر الذي حدا ببعضنا أن يرى أنه لا إمكانية لإسقاط النظام إلا عبر المجتمع الدولي وتدخله، لأن هذا القمع يمتلك أكبر أجهزة أمنية وعسكرية في العالم، قياسا بحجم سورية وتعداد سكانها وتحمل اقتصادها، الذي أنهكه فساد النخبة الحاكمة ومواليها أصلا. لايوجد في العالم دولا لديها كل هذا العدد من أجهزة الأمن وتبعية الجيش لها، وتخصيص فرقا خاصة من الجيش ذات لون طائفي واحد لقمع المجتمع يتولى القيادة الفعلية لكل هذا المركب القمعي أخ الرئاسة العميد ماهر الأسد، كل هذا إضافة إلى تعقيد الوضعية المجتمعية السورية مما زرعه هذا النظام من طائفية ومحاولة حقن الاحقاد بين مكونات الشعب السوري، واللعب على أوتار كل الظواهر الماقبل مدنية من أجل إدامة حكمه وتحكمه بمقاليد السلطة والثروة في سورية. كل هذا وفرت له إسرائيل ومركبها الدولي الإقليمي غطاء له من حيث الحرص على إظهاره كنظام ممانعة، والسبب يكمن بالطبع في أن إسرائيل لا تريد السلام، أو لنقل أنها غير جاهزة له، على مستوى إعادة الجولان لوطنه الأم ولا على مستوى السماح بقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، كما نصت اتفاقيات أسلو. وكل هذا في تأطير دولي وإقليمي لا يخل بالتوازن المبني على حالة اللاحرب واللاسلم، والذي يصب في مصلحة النظام من جهة- والنظام بوصفه نظام ناهب للثروة السورية وقاتل لشعبه- ومصلحة الرؤية الإسرائيلية لمصالحها من جهة أخرى. وهذا ما نلمسه الآن من خلال الضغط الدولي المخملي على النظام القاتل لشعبه، وكأنه طفل مدلل يراد تأديبه فقط، لكن بأدوات مخملية فصلت على قياس محاولة استمراره بالحكم.

لهذا عندما تحرك الشعب السوري في حوران بداية كان الجميع كالمشدوه، واعتبر أن الشعب السوري يواجه المستحيل ويصنعه، لهذا ما يعيشه الشعب السوري اليوم هو حريته في محاولته تحقيق المستحيل ذاته كما كان يدرس ويتعامل معه قبل الثورة.

الشعب السوري يعيش حريته الآن في قلب المستحيل، واستطاع أن يتذوق الحرية أمام أعتى آلة قتل بالمنطقة وأكثرها إجراما، اعترضت الثورة الشبابية السورية، عوائق كثيرة غير آلة القتل هذه، لكن أهمها التالي:
- نظام مصر على القتل وشعب يتظاهر بشكل سلمي، ودون أن يجد من يوقف هذه الآلة، وماكان من هذا النظام وأعوانه من المخبرين الصغار في لبنان أو في من يحسبون أنفسهم على المعارضة أو على النشاط الحقوقي السوري وهم عار على الحقلين، بأن النظام يواجه حركات سلفية مسلحة. وهذا ما أوقع على عاتق شباب الثورة مهمة أضافية وهي التفرغ نسبيا للرد على هذه التخرصات والدفاع عن سلمية ثورتهم. وكأنهم متهمون. وأنا اقتنع بما يقوله النظام إذا سمح لقناة الجزيرة والعربية والسي إن إن مثلا بتصوير حربه ضد ما يسميه الحركات المسلحة، عندها يكون لنا حديث آخر.
- الوضع التطييفي للبلد والذي وظفه النظام خير توظيف حتى اللحظة، كي لا ندخل في لعبة أن النظام لم يستطع توظيف هذا الأمر بحجج شتى، لا.. النظام استفاد ويستفيد من هذا الوضع، ولولا استفادته هذه لسقط هذا النظام أو على الأقل لما كان يمتلك كل هذه الكتائب من الحرس الجمهوري من والشبيحة.وهذه أيضا عقدت الوضعية أمام شباب الثورة وباتوا مصرين على تأكيد أن ثورتهم لا طائفية، وكأنهم هم المتهمون وليس النظام، وشارك في هذه اللعبة أيضا بعضا من وجوه يعتبرون أنفسهم معارضة وعلمانيين أيضا، شاركوا بتواطء رخيصquot; من أن ثورة الشباب السوري ذات سمة طائفيةquot; وبات مطلوبا من شباب الثورة ومن المعارضة التي التحقت بثورة هؤلاء الشباب أن تقدم يوميا صك براءة، وكأن شباب الثورة هم الطائفيون، بينما النظام واتباعه والحريصين على استمراره تحت ذرائع شتى هم الوطنيون السوريون فقط.

وكأننا أمام قاض علماني!! يسانده العسكر، أو يعمل على طريقة عمل محكمة أمن الدولة العليا في سورية، حيث تصل للقضاة هناك الأحكام جاهزة من قبل القوى الأمنية. تندرج في هذا السياق رسالة أدونيس لسيده رئيس جمهوريته..شباب الثورة اليوم يرفعون شعار جمعتهم باسم الشيخ صالح العلي، وتقدموا ببرنامجهم السياسي لمستقبل سورية، ماذا يريد هؤلاء أكثر من ذلك؟ ليجيبوا عن هذا السؤال؟

- العائق الأكبر كان تواطأ الوضع الإقليمي والدولي مع النظام ضد الشعب السوري الاعزل، هذا إذا أضفنا صمتا عربيا رسميا يعد العار الأكبر الذي كشفته ثورة شبابنا.
- العائق الآخر هو عدم وجود معارضة مؤسسية ولهذا أسبابه الكثيرة منها الموضوعي ومنها الذاتي، إضافة لانكشاف حالة اختراق مخابراتي ليس قليل لهذه المعارضة ولنشاطها الحقوقي أيضا. ممن حاولوا إرباك شباب الثورة من خلال طروحاتهم.
بالطبع هنالك عوائق أخرى لا نريد ذكرها الآن، لكننا نعيش وضعا يمكننا تسميته حرية الاستحالة، شعبنا يعيشها الآن، وعندما يصل إلى تحقيق المستحيل هذا عندها سيكون الشعب السوري قد سجل ملحمته الخاصة من أجل حريته، وهذا ما سيحصل قريبا.

وللذين يحملون المعارضة السورية مسؤولية التحريض والتجييش نقول لهم، فليقدم نظامكم مبادرة حقيقية تؤسس للخروج من هذا القتل الوحشي، وبإشراف أطراف محايدة، مبادرة لا تعود بسورية لكي يستمر في حكمها قتلة. مبادرة تؤسس لانتقال ديمقراطي حقيقي، والشعب السوري حريص على سورية أكثر منكم ومن نظامكم الذين تخترعون يوميا فتاوى علمانية ومدنية من أجل استمراره والدفاع عن شرعية قتله لشعبنا.
حريتنا بين أيد أمينة، أنهم شباب سورية، ولن تسجن ثانية.
إنها حرية المستحيل.
غسان المفلح