في الدائرة الرابعة عشرة في العاصمة الفرنسيَّة باريس، تدشّن في حزيران/يونيو الجاري ساحة محمد البوعزيزي. وفي السماء، يصدح صوت شاب تونسيّ فقير اختار الموت حرقًا احتجاجًا على الاهانة والحرمان ففجّر بموته الباستيل العربيّ الكبير.

لم يكن ليخطر في بال البوعزيزي أنّه سيجسّد طائر فينيق ينهض من رماده بعد أن اختار الموت من أجل غد أفضل، فيشعل ثورة تنطلق شرارتها من تونس وتزدهر ثورات حريَّة في أرجاء العالم العربيّ... لم يظن يومًا أن نسمات الحرية ستهب من بلدته الصغيرة الوادعة سيدي بوزيد لتهزّ برياحها العاتية جدران السجن العربي الكبير حيث الظلم والطغيان، فيتساقط الطغاة واحدا تلو الآخر في مشهد كان مجرّد خيال قبل السابع عشر من كانون الأول/ديسمبر 2010.

أيّام قليلة تفصلنا عن الاحتفال بذكرى الثورة الفرنسيّة... بنكهة بوعزيزية هذه المرّة.
فصوت البوعزيزي عرف جيدا حقوقه كإنسان، فلم يكن بحاجة لفلاسفة الثورة الفرنسية ليتعلم معنى العدالة والمساواة. عرف كيف يصرخ quot;كفىquot; في وجه جلاديه، فتحوّل إلى رمز لحريّة الشعوب العربيّة المقهورة التي باتت تعرف ان الثورة آتية ولو بعد حين.

كحبة قمح تنام طوال الشتاء تحت التلج والمطر، ستصبح الثورة حتما سنبلة جميلة في الربيع. هو ربيع الثورات العربية الذي سيحل لو مهما تأخر، ليصبح حدثا رائعا يحاكي تلك الثورة التي حدثنا عنها التاريخ يوم هدم شعب فرنسا الباستيل ليفتح باب الحرية على وقع موسيقى المارسييز الذي ترددت نغماته في قلب كل مؤمن بالعدل والمساواة.

لقد قال البوعزيزي لاءه الاعتراضية متمردا على واقع كان حتى ذلك اليوم قدرا رسمه الشر، فاذا به قدرا واهيا اسقطته زهرة ياسمين صغيرة عجائبية تفتحت في الشتاء على ارض تونس. خضراء يا حريَّة.