جمال مبارك وبشار الأسد شابان طموحان تشابهت كثيراً قصتاهما مع السياسة في خطوطهما العريضة واختلفتا قليلاً في تفاصيلهما الدقيقة. نشأ جمال وبشار في بيتين تقليديين لأبوين عسكريين شاءت الصدف أن يكونا طيارين توليا في مرحلة من حياتهما قيادة سلاحي الجو في بلديهما مصر وسوريا قبل أن ينتهى المطاف بهما بتولي رئاسة بلديهما. تولى والد جمال، حسني مبارك، السلطة في مصر عام ١٩٨١ بعد اغتيال سلفه أنور السادات واستمر في السلطة مدة ثلاثين عاماً قبل أن يتنحى تحت ضغط الثورة الشعبية التي قامت في الخامس والعشرين من يناير. أما حافظ الأسد، والد بشار، فقد تولى السلطة عام ١٩٧١ بعد نحو ثلاثة أشهر من الإنقلاب العسكري الذي قاده ضد نظام نور الدين الأتاسي واستمر في السلطة نحو ثلاثين عاماً أيضاً. حصل جمال وبشار على تعليم عال جيد فتخرج جمال من الجامعة الأمريكية وتخصص في إدارة الأعمال وتخرج بشار من كلية الطب وتخصص في مجال العيون. سافر كلاهما إلى الخارج وبالتحديد بريطانيا للعمل ولاستكمال الدراسة.
لم تكن هناك مؤشرات كثيرة على اهتمام أي من جمال أو بشار بالعمل السياسي في المرحلة المبكرة من شبابهما. غير أن الأمور تغيرت سريعاً في منتصف التسعينيات. كان بشار سبّاقاً في الاقتراب من العمل السياسي بعد وفاة شقيقه الأكبر باسل، عام ١٩٩٤، الذي كان والدهما، الأسد الكبير، يعده كخليفة منتظر له. كان رحيل باسل نقطة انطلاق بشار الذي قطع على الفور إقامته ببريطانيا وعاد إلى سوريا حتى يكون قريباً من والده وحتى يأخذ موقع باسل الفارغ. وفي إطار إعداده للعمل العام تم إلحاق بشار بالقوات المسلحة وتمت ترقيتة بخطوات متسارعة حتى بلغ رتبة العقيد وهو في الثالثة والثلاثين من عمره. اقترب بشار شيئاً فشيئاً مركز صناعة القرار، ومع رحيل والده عام ٢٠٠٠ بايع حزب البعث السوري الحاكم بشار رئيساً للجمهورية في أول عملية توريث للسلطة في دولة عربية ذات نظام جمهوري.
لم تكن مبايعة بشار بالأمر السهل لأنه لم يكن قد تجاوز الرابعة والثلاثين من عمره حين توفي والده. كانت العقبة الدستورية التي نصت على أن عمر رئيس الجمهورية لا يجب ان يقل عن أربعين سنة، وهو السن الذي تولى عنده الأسد الكبير رئاسة سوريا، تقف في وجه بشار، ولذا قام مجلس الشعب السوري بتعديل نص المادة الثالثة والثمانين من الدستور وتخفيض سن رئيس الجمهورية إلى الرابعة والثلاثين. كما تمت ترقية الأسد الصغير إلى رتبة الفريق حتى يتمكن من تولي منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة طبقاً للمادة رقم مائة وثلاثة من الدستور. حاول بشار الظهور في هيئة الشاب الإصلاحي، فقام باستبدال بعض من رجال الحرس القديم وفتح الأبواب قليلاً أمام حرية التعبير. لكن الشلل سرعان أصاب الخطوات الإصلاحية فتوقفت وعادت بشار إلى الموروث البعثي الذي يقتل الحريات والحقوق. وقد أكدت عودة بشار عن طريق الإصلاح أنه لم يكن أبداً واعياً بالتحديات التي تواجهها سوريا في عالم ينعم بالحرية والديمقراطية والتعددية واقتصاد السوق الحر.
أما جمال مبارك فقد اختلفت قصة انخراطه في العمل السياسي قليلاً. بدأت تظهر بوادر على تطلعه للعمل السياسي في نهاية عقد التسعينيات حين أنهى عمله بأحد البنوك ببريطانيا عائداً إلى القاهرة. انغمس جمال في العمل السياسي ولم يبد اهتماماً كبيراً بالمشروعات والأعمال، كشقيقه علاء. وبدا الأمر للمصريين كما لو كان تقسيماً للأدوار بين ابني الرئيس مبارك، واحد يتولى رسم سياسات الدولة والأخر يستحوذ على الجوانب الاقتصادية. كان الكثيرون يتساءلون عن شرعية النفوذ السياسي لجمال والاقتصادي لعلاء. تم تصعيد جمال بصورة سريعة على المستوى الحزبي حتى بلغ في سنوات قليلة منصب أمين سياسات الحزب. كان منصب جمال الحزبي يجعل منه الشخصية الأقوى في مصر بعد والده، فهو كان المسئول الأول عن رسم سياسات حزب الحكومة، وهو كان المسئول الأول عن اختيار ومحاسبة المسئولين التنفيذيين والتشريعيين. وتقول شائعات أن جمال تولى عملياً قيادة مصر بعد تقلص دور والده نتيجة تدهور صحة في السنوات الأخيرة.
سعى جمال للاقتراب من الشباب وسمح للإعلام الرسمي، الذي نافقه، برسم صورة له كواحد من الجيل الجديد القادر على قيادة مصر في القرن الحادي والعشرين. اعترف جمال بالمشاكل السياسية والإقتصادية والإجتماعية التي تواجهها مصر، وقاد بنفسه ما أسماه عملية الإصلاح بشقيها السياسي والاقتصادي، وأصبح الحاكم الآمر بعدما تحولت لجنة السياسات التي ترأسها إلى الدفة التي توجه مصر. لكن جمال لم يكن صادقاً تماماً في كل محاولاته لأن الهدف منها لم يكن حل مشاكل الشعب وإنما تكريس وضعه كخليفة لوالده. كان اقتراب جمال من الشباب محدوداً جداً واقتصر على علاقة بعدد من لاعبي كرة القدم. لم يقترب جمال بحق من الشباب المصري الصاعد وكان معزولاً عن الغالبية العظمى من الشباب ولم يتعرف على معاناة ومتاعب وآلام الأجيال الجديدة في ظل الأوضاع الإقتصادية المتردية التي ترتب عليها ارتفاع نسبة البطالة بدرجة مخيفة وانخفاض مستوى الدخل. أما عن ما يسمى بسياسة الإصلاح السياسي التي قادها جمال فقد كانت كلها تتعلق بتعديلات دستورية هدفت إلى تمهيد الطريق نحو اعتلائه عرش الرئاسة.
بالنظر إلى قصتي جمال وبشار مع السياسة وترتيب الأحداث فيهما يمكن القول بأن بشار باعتلائه السلطة أفسد على جمال رغبته في الوصول للحكم، وبأن حافظ الأسد نجح في ما لم ينجح فيه حسني مبارك، إذ استطاع حافظ الأسد أن يجعل من نجله بشار وريثاً لكرسي رئاسة سوريا في الوقت الذي فشل فيه حسني مبارك في أن يمرر أمر التوريث في مصر. من المؤكد أن تجربة بشار في سوريا لعبت دوراً في رفض المصريين، وبخاصة المثقفين منهم، فكرة توريث السلطة في بلدهم. وربما كان الأمر سيختلف كثيراً لو لم يتول بشار السلطة في سوريا. كان توريث حافظ الأسد الحكم لابنه جرس إنذار للمصريين بأن ما حدث في سوريا يمكن أن يتكرر في مصر. ولذا كان وصول واعتلاء بشار قمة السلطة في سوريا، برأي الكثيرين، نقطة تحول في تاريخ علاقة مبارك الأب بالمعارضة في مصر، إذ تم في السنوات العشر الماضية تشكيل جماعات ضمت مختلف أطياف الشعب المصري عارضت بشدة مسألة التوريث. كانت هذه الجماعات هي عصب ثورة يناير التي أنهت فكرة التوريث التي كان متوقعاً لها أن تتم هذا الصيف
اتفق جمال وبشار حول الهدف الذي سعيا إليه وهو وراثة السلطة، ولكن مصير الرجلين اليوم يبدو مختلفاً، إذ يقبع جمال في سجن طرة بالقرب من القاهرة كسجين احتياطي مع رفاقه ورجاله الذين اعتنقوا فكرة التوريث ومهدوا وروجوا لها، بينما يظل بشار في موقعه رئيساً لسوريا. من دون الخوض في مسألة إدانة أو براءة جمال في القضايا المتهم فيها، والتي نرجو أن ينال بصددها محاكمة عادلة تنصف المصريين ولا تظلمه، فقد كان إنهاء أمر التوريث أمراً مهماً وجيداً من منظور ديموقراطي حر. أما بشار الذي ييبقى شاهراً سلاحه بوجه مواطنيه بغية البقاء في السلطة، التي لم يصلها عن استحقاق أو نتيجة انتخابات ديمقراطية، فمن المؤكد أن نهاية حكمه قد أوشكت. وأبشر السوريين بأنه حتى وإن كان بشار تذوق طعم الرئاسة طوال السنوات الأحدى عشرة الماضية، إلا أن مصيره لن يختلف كثيراً عن مصير جمال وسيتم قريباً تقديمه لمحاكمة بتهم ارتكاب جرائم حرب ضد شعبه. ربما تكون هناك فرصة، ولو ضئيلة، في أن تبريء محاكمة عادلة ذمة جمال من التهم الموجهة إليه أو من بعضها في ضوء معطيات ثورة يناير التي لم يقاومها نظام مبارك، ولكن بشار فلا مجال أمامه أو أمام نظامه للبراءة. فبشار بنظامه هو المسئول الأول عن القمع المستمر للسوريين ومقتل المئات منهم في انتفاضتهم الحالية.
التعليقات