من المعروف ان اسلوب قمع الاحتجاجات او الثورات والانتفاضات الشعبية من قبل الحكومات هو ان يتم بأستخدام قدر من الشدة عند التعاطي مع قوى المعارضة عبر فرض سياج من الرقابة الأمنية وتنفيذ سلسلة من الأعتقالات والتهديد باستخدام وسائل رادعة.

ومثلما تابعنا ان الحكومات العربية جميعها جعلت من لافتة محاربة الإرهاب ستارا لتدشين حملة القمع والتخويف من القوى المجهولة او المتطرفة فنجد ان الرئيس التونسي المخلوع قد وصف معارضيه بأنهم عصابات من الملثمين وكذلك الحال في مصر اذ جرى التعبير عن خطر وصول الإسلاميين الى السلطة كما ان نظام الحكم في اليمن عبر بوضوح ان الخطر الداهم هو من القاعدة ومثل هذا روج له العقيد معمر القذافي في ليبيا وانفرد النظام في سوريا بتوصيفه لأعدائه من المحتجين بأنهم ينتمون الى تنظيمات مسلحة تقوم بقتل عناصر الجيش والشرطة..

اذن هنا نقف امام قاسم مشترك في التقاء الحكومات العربية في التلويح للخارج بأن البديل سيكون هو التطرف والقاعدة ومشتقاتها في سبيل منع التأييد الغربي عن هذه الانتفاضات الشعبية المتواصلة.. وأمام حالة التصعيد المتبادل بين الحكومات والمعارضة لجأت الحكومات الى انزال الجيش الى الشارع مما يعد انحرافا خطيراً عن طبيعة الوظيفة الحيوية لهذه المؤسسة السيادية الضامنة لوحدة واستقلال البلاد والدفاع عن سيادتها ضد العدوان الخارجي.

ففي هذه الحالة ان المستفيد الأكبر من تجول دبابات الجيش في شوارع المدن والقرى والعزل هي قوى المعارضة من دون ادنى شك لأنها ستقول ان النظام فشل في المواجهة معها والتجأ الى الجيش مما يعتبر انتكاسه كبيره لقوى حفظ الأمن الداخلي والتي انفق عليها كثيرا من الأموال للتدريب والتجهيز.. أن اي نظام حكم يتحلى بقدر من الحصافة والحكمة عليه ان يتجنب ما استطاع قرار اقحام الجيش في فض اعمال الشغب او الأحتجاجات بسبب ان مهمة الجيش مختلفة بالكامل عن مهمة قوى الأمن والشرطة من حيث ان الأخيرة بعتبارها مؤسسة ضبطية وبحكم تراثها وواجبتاها حماية الأمن الداخلي يمكن لها ان تتحمل بعض الخسائر المعنوية عكس الجيش الوطني الذي يعد عنوانا للفخر والعزة الوطنية ينبغي على نظام الحكم ان يضفي عليه دوما قدرا من المهابة ويجعله قريبا من ضمير ووجدان الشعب باعتباره حامي الحمى والديار.

ان الجيوش لا تقدم حلولاً سياسية للمشكلات والمعضلات انما الحل ينبع من قدرة النظام على التحلي بالشجاعة والاعتراف بالأخطاء والخطايا من خلال السعي الجدي الى صياغة حلول وانتهاج سياسات واقعية وعملية بعيدا عن أهواء البلطجية والقتلة والشبيحة والملثمين..

ان مهمة الخلاص تكمن بالقدرة على تغيير عجلة القيادة والتوقف لأصلاح ما عطب من الأجهزة واتباع سياسات الحوار والإصلاح بعيدا عن الإنكار والمكابرة والعناد فالشعوب هي الأبقى والأفراد مهما علت منزلتهم الى زوال بحكم قوانين الطبيعة او وفقا لإرادة الشعوب التي لا يمكن قهرها ابداً.

فقد طال بقاءكم ياسادتنا وقد سبق أن قال أحد خلفاء بني أمية مرة مخاطبا بعض من مقربيه ( يا بني أمية أن دولتكم طالت وكل طويل مملول وكل مملول مخذول ) نعم ان الحاكم الذي يتكلس في كرسيه اربعين او ثلاثين سنة ما الذي يتبقى في جعبته من حلول واصلاحات فعندما يفطن الى الكارثة التي استيقظ عليها بفعل أصوت الشعوب اليائسة والمحبطة من كل شئ يكون في وضع من اتسعت فيه الرقعة على الراقع... أما في أمتي من رجل رشيد؟؟


[email protected]