quot;الحلقة الأولىquot;

إنه حديث الإفك، يتقمص في كلام ألقي من على مدرج جامعة دمشق، كانت محاضرة طويلة، ذكر فيها الكثير، ومن ضمنها عزة الإنسان السوري وكرامته، وقد أُهان عن سابق قصد وتصميم، وبسوية طبيب مبتدئ. حُضرَتْ في كلمته كل الصفات إلا صفة ذلك السياسي الذي حان الوقت له أن يعي الشعب وشبابه الثائر. هل سينزل وحي لتكذيب الإتهامات الفاسقة بحق الشباب الثائر، أم أن الثورة بذاتها رسالة إلهية ألهمت الشعب لردع الطغاة عن الوطن؟.

هناك العديد من الثغور والأبواب المصرعة على أطرافها التي تسمح للفرد في دخول ثنايا هذا الخطاب. ترددت حيناً بالدخول فيه، لكثرة الردود، التي أعطيت للكلمة حقها من النقد والتحليل، والسبب الثاني هو أنني وجدت في البداية بأنه من الصعب جداً ترقيعها وهي على تلك السوية من الطرح والمفاهيم حول الشعب السوري، إضافة إلى لهجتها التهديدية المنمقة، التي كان يتصف بها وبقوة الرئيس الراحل حافظ الأسد. لكن من الممكن الولوج إلى بعض الثنايا الجانبية منها. لا أود البحث فيما وراء الكلمة وما وراء الغاية من الخطاب، وقد مللنا من تكراره، وسبب إختياره المكان الذي تكلم منه، حيث القاعدة الشبابية للوطن، الذين وصفهم وجه لوجه بالجراثيم!.

1_

الجماهير التي تثور ويتقدمهم الشباب بكل عنفوانه، ونظرتهم الموجهة إلى الآفاق البعيدة، التي تجاوزت مجال رؤية الطغاة وحاشيتهم، هم فعلاً أصحاب quot; حاجة quot; ليست في متناول مدارك فهم الكثيرين، وقد كانت هذه الحاجة ملقاة هناك في الأقبية الأمنية، حرمت عليها منذ عقود بالظهور إلى الشارع، وفرضت عليها صمت مطلق من قبل السلطة الأسدية والبعث المقيت، والحاجة هي quot; الحرية quot; التي تصرخ بإسمها عالياً في سماء هذه الأوطان، والذين قاموا بخلع أبواب تلك الزنزانة المقيتة تلك هم quot; الشباب الثائر quot; الذين فرضوا وسيفرضون على الباقين، من الحالمين بالإلوهية الإنسانية، النزول على الأرض والرضوخ لإرادتهم.

2_

صرخات الثورة تدوي في الافاق، تطالب بالتغيير حيناً وبإسقاط النظام معظم الأحيان، والرئيس ببساطة الكلام، المنسق له، يتحدث عن إصلاح، مخجل الحديث عنه في خطاب يجب أن يبحث في قضايا البقاء أو العدم، يتحدث عن البيروقراطية الجارية في السفارات السورية عند منح جوازات السفر لمواطنين سوريين يعيشون في الخارج! مثل هذا الطرح وفي هذه اللحظة يمكن كتابة قواف فيه، إلى هذه السوية الدونية في عدم الوعي رمى الرئيس بالشعب السوري!؟

هل يمكن أن يدرج مثل هذا المطلب وفي هذا الزمن الصعب على جدول مطالب الشعب والشباب الثائر، الشعب يبحث عن المغانم الكبرى والرئيس يرمي على الطاولة فتاة من عفونة ولائم فساد السلطة السابقة.

3_

الشعب يرى بأن العفو ناقص، وهي الحقيقة، والواقع المرئي والمعاش يثبتان ذلك. يخرج مجموعة من الأبواب الأمامية، ليحل مكانهم مئات من السياسيين والمثقفين ويلقون في أقبية الدوائر الأمنية العريقة في الإجرام، وهذا إثبات على أن الأحكام العرفية لا تزال سارية المفعول فيما وراء الشوارع الخلفية.

وهل في هذا العفو فعلاً يمكن الأفتخار به؟! ويقول على الملئ بأنه بعد 23 سنة من إزهاق ارواح البشر وتقييد الحريات يصبح هذا العفو quot; اللاعام quot; خطوة شاملة، ربما كذلك بالنسبة للعقد الذي حكم فيه بشار من بعد عقود القهر والظلام الذي ساد في عصر الأب الراحل، والذي خلف الآلاف من القتلى والعشرات من السجون المليئة بالمفكرين والسياسيين.

هل هي خطوة أكتملت كل جوانبها الإنسانية؟ لا بالتأكيد، هذه المرحلة تجاوزها الدول الحضارية الإنسانية منذ أكثر من مئة سنة، لكن القضية لا زالت نقطة صراع كبرى في الدول التي تحكمها الطغاة وانصاف الألهة المحاطون بالمجرمين والسفهاء.

4_

الثورة بوقودها لم تبحث يوماً ولا أتوقع بأنهم سيبحثون مع السطة والرئيس عن إيجاد حلول مشتركة ذات ابعاد إجتماعية بسيطة، القضية أضخم بكثير، أنه البحث عن الطريقة التي ستؤدي إلى إسقاط النظام بكل كيانه، أي التغيير الشامل، السياسي والاقتصادي والثقافي أما الإجتماعي فهو جزء من الكل.

مفاجئة كانت متوقعة بطريقة أخرى من الرئيس، وهويتحدث عن عدد الفارين من وجه العدالة quot; عدالة السلطة السورية! quot; والذين يقومون بهذا التخريب، بلغوا حسب احصائيات الرئيس 64 الفاً...اسئلة عديدة تطرح نفسها هنا:

لماذا هذا العدد الضخم من الجراثيم كانوا في شوارع سوريا بدون متابعة من قوى العدالة؟ ربما القوى الأمنية كانت ملتهية طوال عقود بأصحاب الرأي والسياسيين، والمجرمين كانوا هادئين إلى هذه اللحظة!

هل هؤلاء كانوا أقل شراسة للمجتمع من الأدباء والمثقفين الذين لم يتوانى السلطة في القبض عليهم بدل أولئك الفارين من وجه العدالة. هل لنا أن نقارن هذه بمحاكمة اليهود للمسيح وأختيارهم له وتقديمه للرومان بدل المجرم كاراكس؟

ألا تظنون بأن هذا العدد سوف يبلغ قريباً الملايين وسيتجمعون بشكل دائم في ساحات سوريا الوطن، وحينها من سيصبح الفار والمجرم ومن سيكون صاحب الحق والقضية؟

أظن بأن الرقم كان ناقصاً، هناك أكثر من عشرة ألاف أجتازوا الحدود الدولية، وأكثر من عشرين الف في السجون وجرحى في البيوت، وبين كل يوم وآخر يتزايد العدد، والسؤال هل هؤلاء المجرمون يتكاثرون بالعدوى كالجراثيم؟

ما هو حكم الرجل الذي يخرق الدستور ويشوهه على مرأى من الشعب؟ ثم ينهب ويقتل منهم ما طاب له تحت غطاء دستور ملفق لا يمت إلى الدستور السوري الأساسي؟ هل حكمه 5 سنوات سجن، أم النفي، أم الإعدام؟

هل هذا الشخص هو من ضمن ال24 ألف أم من الجماعات الذين سيسلمون أنفسهم للشعب في القادم من الأيام؟

هل هذا العدد الضخم من الفارين والمجرمين ظهروا في الشوارع على الطريقة التي قام بها صدام حسين، عندما فتح أبواب السجون لجميع المجرمين للعبث في شوراع العراق، هل نستبعد عملية مثلها يقوم بها أخ الرئيس ماهر الأسد؟ وإلا كيف نفسر هذا العدد الهائل من المجرمين والفارين من وجه العدالة في شوارع المدن السورية؟

لا أكاد أميز بين خطاب الرئيس الآن وخطب الأب الراحل الذي كان يحير الإنسان السوري عن ما كان يبتغيه! وكالإذاعة السورية أثناء بثها للأخبار، ما عدى بعض التفاصيل التي أراد بشار منها أن يبين للعالم بأنه الرئيس الفعلي ويلم بكل التفاصيل الدقيقة في سوريا.

5_

عندما لا تتلائم طلبات الثائر في ساحات الوطن مع رغبات الطغاة يصبح مجرماً، وإن كانوا شريحة من المجتمع يتحولون إلى مجموعة مخربين ينشرون الفوضى، ويخترقون القانون العام، ويدمرون الممتلكات والمصالح العامة، إضافة إلى ذلك، هم بالتأكيد مسيرون تحت أجندات خارجية لا يريدون للوطن سوى الدمار.

من هم هؤلاء الخارجيين، هل هم دول، أم هم أولئك المثقفون والسياسيين الذين هجروا قسراً ومنع عليهم العودة إلى الوطن؟.

بالتأكيد هناك تدخلات خارجية، وستكون، من أجل إنقاذ الشعب والوطن من براثن الطغاة، وهذه القوى الخارجية هم أبناء هذا الوطن الذين سلبتموه منها عنوة، وأتيتم على نهايات تدميرها بثلاثية حاقدة.

أما الإعلام الذي تهاجمونه بشكل دائم ومقيت، فهو الإعلام الأكثر حرية حتى اللحظة في شرقنا، بينهم أصحاب الكلمة الصادقة البعيدة عن النفاق المقيت كالذي يتبناه اعلام السلطة، والتي ترهق النفس وتقزز الفكر.

والهواتف النقالة التي تحدث الرئيس عنها quot; وكأنه من كوكب آخر quot; لا يعلم بأنه في خارج سوريا اصبح حتى أطفال المدارس الإبتدائية يحملونها، ولعلمه الهواتف التي تروجها شركة شريحة أبن خاله quot; رامي المخلوف quot; أصبحت من العصر الحجري بالنسبة لمستوياتها في الدول الأخرى. لكن في سوريا التي تحجب السلطة فيها شروق الشمس عن الشعب مراراً، تصبح حمل الهواتف النقالة قضية إجرامية... والأغرب في حديث الرئيس، هو أن هذه الهواتف اصبح رمز من رموز المعارضة! أي ما معناه، بأن التكنولوجيا العصرية يجب محاربتها، وهل يعقل أن يكون شخصاً بمثل هذه السوية الفكرية أن يكون رئيساً ويحكم وطناً؟

أي شرخ يحفرونه أولئك المتنفذون في هذه السلطة لرئيسهم، يرمونه ما بين الضياع في المتاهات وبين الوطن والحضارة الإنسانية التكنولوجية والفكرية القادمة؟.

سنتابع مع الرئيس في حلقة قادمة...

د.محمود عباس

الولايات المتحدة الأمريكية

[email protected]