في ظل تحليل الأحداث الراهنة في العراق، وارتفاع صوت الاحتجاجات ضد حكومة نوري المالكي والواقع الفاسد للسلطة الراهنة طوال نصف عقد من الزمن المتسم بالاستغلال السلطوي وفرض سطوة مركبة للجمع بين السلطة والثروة من قبل المسؤولين والاحزاب والتجار والمقاولين الفاسدين على موارد الشعب والحكومة والمقتدرات الاقتصادية والموارد التجارية والمالية للبلاد، وفي ظل تحول سطوة المالكي الى سلطان منفرد، ومع الاقرار بإرساء فوارق طبقية بين أقلية طاغية جشعة تعيش في بروج قارونية وأغلبية تعيش في أزمات حياتية قاسية قريبة من الفقر المدقع نتيجة فساد السلطة والاحزاب والمسؤولين، فإن المطالب الداعية الى التغيير بدأت تضع السلطة العراقية بين سندان الرضوخ التام للدعوات الاحتجاجية ومطرقة تغيير الحكم سلميا تلبية للصرخات والآهات التي فجرها المستضعفون العراقييون بفعل الغضبات الجماهيرية للفقراء والمحرومين والمحتاجين.

وأمام الدعوات الداعية الى تغيير السلطة وتحملها المسؤولية الكاملة عن كل ما يجري في العراق من فساد مالي رهيب وسلطوي للاحزاب الحاكمة وللممارسات الرأسمالية الجشعة والمارقة لأهل الحكم وبطانتهم الفاسدة من الرؤساء والاقرباء والمسؤولين وكل الحلقات المحيطة بهم على حساب الشعب، فان العمل على إزالة الواجهة الفاسدة للحكم والتخلص من الأزمة السياسية المفتعلة بين القائمة العراقية وحزب الدعوة وازالة الحالة المربكة المعقدة المحيطة بالحكومة الائتلافية تبقى اهدافا مشروعة لكل عراقي بالوسائل السلمية والمدنية بعيدا عن العنف وسفك الدماء، ومن باب التفكير بالعقل والمنطق فان الواقع الراهن يلزم طرح دعوة لإعادة الانتخابات البرلمانية لاختيار وجوه وطنية قادرة على خدمة المواطنين بعيدا عن المحاصصة والتوافق السياسي لتغيير الواقع من خلال انتخاب ممثلين حقيقيين قادرين على الوفاء بتعهداتهم تجاه العراقيين.

والمسار التائه الذي يسير عليه الحكومة العراقية التوافقية لايسمح بضمان أية مصداقية للوعود التي أطلقتها القوائم والكتل البرلمانية خلال الانتخابات وباتت هذه الحكومة لا توفر غير المسكنات لتخدير ابناء الشعب، وللدعوة الداعية الى اعادة الانتخابات من أسبابها العوامل التالية:

bull;حرمان اكثر من نصف الشعب ويقدر عددهم بخمسة عشر مليون مواطن من حصة الفرد من الموازنة السنوية للعراق والتي تقدر بثلاثة الاف دولار لكل فرد، ولا يدري المواطن العراقي اين تذهب هذه الحصص المليونية والتي تقدر مجموعها بخمسة واربعين مليار دولار على أقل تقدير كما تشير اليها التقديرات الاقتصادية، وهؤلاء محرومون من كل انواع حقوق المواطنة ومعدومون من كل انواع الخدمات الصحية والحياتية والمعيشية والسكنية والاجتماعية.
bull;المحاربة الشديدة للمواطن في حقوقه ومواطنته وفي كل مجالات الحياة، وكأن الفرد العراقي البسيط في مطلبه وحياته والحليم بصبره وجلده كائن غريب عن جسم العراق.
bull;الوعود البراقة التي وعدت بها القوائم والكتل خلال اداء القسم في البرلمان والتي لم يتحقق منها شيئا على أرض الواقع لا للمواطن ولا للفقير الذي يطلق صرخات وآهات تصل كل البقاع العراقية.
bull;فقدان المصداقية بالحكومة وهذا ما جعل منها سلطة غير موثوقة بها من قبل المستضعفين والفقراء وتراجع التاييد لها مقارنة بفترة الانتخابات البرلمانية.
bull;تحول التحالف الوطني العراقي وحزب الدعوة برئاسة نوري المالكي والقائمة العراقية برئاسة اياد علاوي الى طرفين متنافرين يحملان سمات العداء أكثر مما يحملان سمات الوفاق لحكم العراق، والصراع بينهما هو لاختيار المناصب وتقسيم الامتيازات فقط للجمع بين الثروة والسلطة لا لخدمة المواطنين، واستغلال السلطة بكل امتيازاتها المالية والاقتصادية والتجارية والنفطية باساليب بعيدة عن الطرق المشروعة واستغلال النفوذ للاستيلاء على الموارد والممتلكات العامة.
bull;وجود جيش جرار من الحمايات الرئاسية الشخصية للرؤساء، الرئيس ونائبيه ورئيس الحكومة ونوابه ورئيس البرلمان ونوابه، ولرئيس القائمة العراقية ورؤساء الكتل والقوائم، ويقدر عدد افراد هذه الحمايات باكثر من 75000-150000 فردا، ومجهز بكل انواع الاسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة وبآليات متنوعة، ولا ندري ان كانت جيوش الحماية للرئيسين الامريكي والروسي بهذا العدد الكبير، بينما الواقع الراهن يعاني من بطالة شديدة لا يقدر المجتمع العراقي على تحملها بكل المقايس.
bull;امتلاك السياسيين لنظرة استعلائية وعدائية تجاه البلاد والشعب في السلوك والممارسات الحكومية والحزبية وهذا النوع من التعامل جعل ان يتحصنوا بمجاميع من المارقين والفاسدين من اصحاب الغايات الشريرة ممن لا يريد خيرا لهذا البلاد باي نوع من الانواع.
bull;التنافر الشديد لأصحاب السلطة من الشخصيات واصحاب الكفاءات العراقية التي لا تبغي غير الخير لهذا الشعب، واختيار شحصيات هزيلة وطفيلية وبمؤهلات مزورة للادارة والحكم والمسؤولية بعيدا عن اية مؤهلات حقيقية، وفي الحقيقة أثبتت أحداث ما بعد عام الفين وثلاثة عدم مجيء حكومة مؤهلة لخدمة العراقيين لحد الان لضمان الخدمات الاساسية والعدالة والتوازن الاقتصادي والتكافؤ الاجتماعي لجميع العراقيين.

باختصار هذا هو المسار التائه الذي تسير عليه الحكومة العراقية والذي يتراءى لنا مشاهدته مباشرة من التماس المباشر مع المواطنين في بغداد، وهو السبب الذي دفع بالفقراء من العراقيين الى اطلاق صرخاتهم المدوية في ظل الحكومة الحالية، والإقرار بسلبيات هذا المسار لا يعني أن نغض الطرف عن الجوانب الايجابية، لكن الواقع الذي نعيشه المليء بمظاهر الخلل والأزمات الخانقة للمواطن والمعترف بها من قبل الجميع يفرض علينا أن نقول الحقائق بمصداقية وجدية خاصة وان السلطة الحالية رافقتها من قبل ومازالت فئات فاحشة من اهل الحكم والبطانة الفاسدة المستغلة والمتعطشة للثروة والنفوذ وتسببت هذه الفئات في ارساء فساد رهيب ونهب متواصل لأموال وممتلكات العراقيين.

وافضل طريق لازالة المسار التائه للحكومة هو الاقرار بفشل مسارها والعمل على اعادة الانتخابات البرلمانية لاخراج العراق من ازماته الخدماتية والسياسية والامنية الخانقة لاختيار قيادات مسؤولة تتصرف بوطنية وفق احتياجات ومطالب الشعب فعلا لتقديم وضمان الخدمات الحياتية الاساسية وتوفير المقومات الحياتية الرئيسية لضمان الكرامة والحياة الكريمة لكل انسان في العراق.

كاتب صحفي - بغداد
[email protected]