بظهور دولة بني العباس تبدل حكم الدولة من المركزية الى تطبيق نظرية التفويض الآلهي،فأصبح الخليفة يمثل ظل الله على الأرض،يقول المنصور: quot;أيها الناس أنما أنا سلطان الله في أرضه أسوسكم بتوفيقه وتسديده، اطيعوني ما أطعتم اللهquot;.هنا تغير الحال في حكم الدولة والناس من الحكم العضوض الى حكم التأليه،وبهذا التغير،تغيرت كل التفاصيل في مؤسسة الحكم،فنحي دستور المدينة الذي نادوا بتطبيقه قبل الثورة جانباً،وضربت العدالة الاجتماعية التي رفعوا شعارها،فأستمر الجور والظلم والعنف ضد كل من يخالفهم الرأي.واستمر الحال في التفرد بسلطة الدولة فأخفقت في تكوين وحدة متجانسة نظرا لحلول الطائفية والعنصرية،حتى سقطت الدولة بابشع صور السقوط،فهل يتذكر أولي الألباب اليوم ويكفوا عن سياسة الخطأ؟ د.عبد الجبار العبيدي أستاذ جامعي
ان الافتخار بشعارات الثوار والدفاع عن العدالة والتضحية في اسقاط الظلم ظل شعارا دون تطبيق،حين ظلوا يلهجون بسياسة الامويين الظالمة دون تحقيق العدالة، وبالوحدة دون تحقيق التجانس،وبالقانون دون تحقيق تحديد سلطة الدولة عن حقوق الناس،حتى انكشف امرهم وزادت النقمة عليهم فأنعزلوا عن العامة وبقي السيف والنطع هو قانون الدولة الذي لا يضاهى، ولم يبقَ شيء في أيديهم يدافعون به عن سياستهم الظالمة الا المساوىء الاموية، حتى ملت الناس مما كانوا به يلهجون.
لكن ذلك لم يمنع ان بعض الولاة الذين خدموا في دولتهم كانوا من طراز اخر،طراز الولاة الحلماء الحكماء يملكون من سعة الصدر وشفافية التصرف ما اعطى للدولة سمعة جديدة انتعشت فيها سلطة الخلافة.ومن امثال هؤلاء الولاة الحكماء quot; معن بن زائدة الشيبانيquot; الذي تمتع بالحلم والحكمة وسعة الصدر بعد ان كان بدويا راعيا للاغنام لم يمارس سلطة ولم يجالس العلماء والحكماء.ولموقفه الأيجابي تجاه المنصور العباسي نصبه واليا على اليمن.
وبين ليلة وضحاها تحول هذا الاعرابي راعي الاغنام الى امير تشد اليه الرحال،وتتحدث بسيرته الركبان،فذاع صيته في الأفاق بعدله وحكمته وعلو مقامه وهيبته،وهذه الصفات لم يكتسبها من منصبه،بل من بيئته البدوية وحسن تربيته البيتية الأصيلة وقديما قيل (الفعل دوماً دليل الأصل).قال أحد الاعراب اريد ان أمتحن هذا البدوي في سيرته في حكم الناس فقدم اليه الى دار الأمارة وطلب المقابلة فرحب به الأمير دون اعتراض.
وحين دخل على معن الامير فقال له: يا أيها الأمير،أتذكر أذ قميصك من جلد شاة ونعلاك من جلد البعير وفي يمناك عكاز طويل تهش به الكلاب عن هرير فقال: quot;ايم الله أذكر ذلك ولا أنساه،فقال الأعرابي له: فسبحان الذي أعطاك ملكا وعلمك الجلوس على السرير قال الأمير:quot;هذا فضل الله يأتيه من يشاء دون حسابquot; فقال الأعرابي: فأقسم لا أحييك معن مدى عمري بتسليم الأمير،فقال معن:quot;هذا شأنك،وما شئت أفعلquot;،فقال الأعرابي: فمر لي يا بن ناقصة بمال فأني قد عزمت على المسير، فقال معن مخاطبا غلامه: quot;صل الرجل بجائزة قيمة، وزوده بزاد يقتات به الطريقquot;.فأخذها الأعرابي ونحرمن حيث أتى وقد غلبه الحياء من معن،فقال في حضرة الأميريا أيها الامير: ملكت الجود والأنصاف جمعاً فبذل يديك كالبحرالغزير فأنت الارض وانت الفضاء وانت المزن يطفح بالغدير وانت السنا في حندس السماء ضوء وجهك كالقمرالمنير فأبتسم معن ليقول:هذه من فضل ربي ولم يكن مني اليه مصير. محاورة رائعة بين اعرابي جرىء مقدام وبين امير عادل كبير في شرحها يطول الحوار الطويل.
وفي يوم ذهب معن ومن معه للصيد في الصحراء فقلَ به الماء وكاد يهلك وجماعته عطشا،واذا بثلاث فتيات يحملن قرَبا فطلب منهن الماء فقدمن له الماء بكل الترحاب، وبعد ان شرب واصحابه رفع رأسه الى السماء قائلا:سبحانك يارب من اعطى بيده اليسرى لمحتاج اعطاه الله باليد اليمنى من حيث لا يحتسب واليه المصير.
احداث ثلاثة ذكرتني بمعن بن زائدة واحدة في عهد صدام حسين حين دخل طالب في احدى المدارس العراقية ليقرأ يافطة مكتوب فيها (العراق يتقدم) فقال لأصحابه لا(العراق يتراجع) وحين سمع به المدير قدمه للتحقيق فأفضى به سمع صدام بأعدامه في محلته السيدية ويومها كنت انا ساكنا هناك،فاعدم الشاب الطالب لكلمة تفوه بها على الامير.وحادثة اخرى شاهدتها بالتلفزيون وانا في واشنطن حين رمى الزيدي بوش رئيس الولايات المتحدة الامريكية بحذائه فاراد ان يتلقفه المالكي ولم يستطع، لكن الحذاء أخطأ الهدف،فقال بوش منكسرا:هذا هو ثمن الحرية.وثالثة رأيتها بعيني وانا في فرجينيا بالولايات المتحدة حين خاطبت ممثلة حقوق الناس المالكي ورمت المصوَر بوجهه ووجه ممثل الامم المتحدة فلم يحرك المالكي ساكنا فأخذت المرأه ونحيت المكان ولم تحبس او توبخ الا بكلمات المرافقين،فقلت في نفسي لوكان بوش عادلا ومنفذا لما وعد به في عراق التغيير، وحكام العراق اليوم مثله في حكم الشعب وتحقيق عدالة القانون، الم يستحقا ماقيل فيهما مثلما قيل في معن بن زائدة.ففي التاريخ عبر ومواعظ سعيد الحظ من أتعظ؟
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات