ظافر محمد العجمي
لقد استقر كوديعة منسية في اللاوعي عند البعثيين الجدد باختلاف مذاهبهم في العراق أن الكويت هي سبب مآسيهم، فكانت الكاتيوشا هي آخر مفرداتهم البذيئة. ولم يكن واردا أن تكون صواريخ الكاتيوشا التي قصفت بها السفارة الكويتية في بغداد سببا في إلغاء انسحاب القوات الأميركية، لكن التهديد الخطير من laquo;كتائب حزب الله العراقيةraquo; بقصف ميناء مبارك قد جعل من التجديد للقوات هناك ضرورة قصوى ليس لأسباب عراقية فحسب بل لدواع أمن كويتية وخليجية أيضا، فما زال العراق بحاجة للقوات الأميركية في جميع المجالات العسكرية والأمنية وحتى السياسية.
فبدوافع قيم أصولها الأخلاقية صفر، لا زال الإرهابيون يحيون حفلات العنف كمظهر من مظاهر الحياة البغدادية اليومية، وعليه سيتعدى أثر الانسحاب في المجال الأمني تلك الحوادث ليصل إلى الأوضاع في المناطق المتنازع عليها بين العرب والأكراد منذراً بالحرب الأهلية. ولكون المنظومة الأمنية العراقية عاجزة عن الإمساك بالملف الأمني كاملاً حيث ظهر ضعف الخبرات التي اكتسبتها حين واجهت القوى الإرهابية، فكيف ستضبط الخلايا الكاتيوشا الإرهابية، وهل سنحتاج إلى إقامة ما يشبه نظام laquo;القبة الحديدةraquo; الإسرائيلي؟
كما أن عدم التجديد للأميركان ذو انعكاسات مأسوية مستدامة على أحوال العراق العسكرية فالجيش العراقي لا يملك أسلحة ثقيلة ولا قوة جوية ولا بحرية، ولم يكمل تدريباته إلا بمهارات النظام المنظم وفك وتركيب الكلاشنكوف، أما تقنيات القيادة والسيطرة والاتصال والحرب الإلكترونية وإدارة المعركة المشتركة فلن تتحقق قبل 2020م كما قال رئيس الأركان بابكر زيباري، وعدم الجاهزية هي سبب غياب الرد على القصف المدفعي الإيراني المستمر حتى اليوم لقرى حدودية عراقية، ما يجعل العراق جسر إيران نحو دول الخليج بدل أن يكون البوابة الشرقية كما ادعى الطاغية صدام.
أما الواقعية الميكافيلية فتتجلى في الجانب السياسي عبر طروحات نواب التكسب الرخيص في بغداد، حيث إن الكتل السياسية هناك ذات أعماق مفقّرة وما زالت في مصاف القاصرين وبحاجة إلى من يضبطهم نتيجة قصر الحياة الديمقراطية. فما بالك بقيادتهم للشارع العراقي نحو حروب لا تنتهي مع جيرانهم إن لم تكن مع مواطنيهم الأكراد في الشمال كما فعل طغاة العراق من قبل. وها هم في سعي محموم يجدون في إشاعة ثقافة رفض التجديد، وتصويره وكأنه شر تم جراء الربيع العربي لحفظ الأنظمة في الخليج، وفي ذلك خلط، فالقواعد الغربية كانت ولا تزال منتشرة هنا قبل دخولها للعراق.
وفي الإجمال ليست الخلاصات من مراجعة تجديد بقاء القوات الأميركية الذي لا يخل بالسيادة الوطنية العراقية عديمة الفائدة، بل هي أمر مطلوب وندعمه حتى ولو كان من خلال الاستفتاء الشعبي، لكن أمن الخليج العربي يجعلنا لا نرحب بثقافة كتل وتيارات تغني بالفارسية حيناً وبالبعثية أحياناً أخرى لرفض التجديد، في حين تصم آذانها عن قصف المدفعية الإيرانية لقضاء جومان الحدودي بمحافظة أربيل. كما تصفق للصواريخ الإيرانية وهي في طريقها لضرب أهداف في بحر العرب. وتتباكى على ظلم الكويت حين أقامت ميناء مبارك منافساً لميناء الفاو الكبير الذي يدل حجمه أنه سيكون رئة تنفس طهران المرهقة بالحصارات الاقتصادية منذ 1980م. وهذه القراءة ليست الوحيدة المحتملة لصورة تجديد بقاء القوات الأميركية، لكنها الأقرب، فنحن في الكويت أصحاب بعد معرفي غزير بالعراق.
التعليقات