المستشار شفيق إمام


ما كان سيموت إلا شهيداً
في مقال الاثنين الماضي تحت عنوان ldquo;في ذكرى الغزو اللهم احلل عقدة من لسانيrdquo;، قلت إن الدهشة عقدت لساني، عندما طالعت في الثامن والعشرين من مارس مقالاً لكاتبة بحرينية تحت عنوان ldquo;ما كان سيموت إلا شهيداًrdquo;، وهي تتحدث عن طاغية العراق صدام حسين، وظلت الدهشة تعقد لساني طيلة هذه الشهور إلى أن حلت الذكرى الأليمة لغزو الكويت عقدة لساني، للرد على مقال الكاتبة البحرينية.
الشهداء مثواهم الجنة
وتساءلت كيف أصبح صدام حسين شهيداً، والشهداء مثواهم الجنة؟ وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام ldquo;من قتل معاهداً لم ير رائحة الجنةrdquo;، كما قال ldquo;لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حقrdquo;.
ويعتبر قتل النفس بغير حق من السبع الموبقات التي حدثنا عنها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين سئل عنها فعددها ومن بينها قتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق في قوله تعالى ldquo;وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَrdquo;، ويقول سبحانه ldquo;وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأًrdquo;.
فكيف تمنح الكاتبة البحرينية صك الشهادة لصدام حسين؟ وقد نحر شعبه، وأعمل القتل والتعذيب والتشريد في كل من خالفه الرأي، أو قال كلمة حق.
وكيف يمنح صدام حسين صك الشهادة، ليكون مثواه الجنة، وأيديه ملطخة بدماء سالت غزيرة وغالية على أرض الكويت، عندما شن عدوانه الغادر عليها؟!
وكيف يحرم بعض الإخوة من السلف في مصر بو عزيزي التونسي من صك الشهادة، لأن الانتحار جريمة لا يقدم عليها إلا كافر؟!
وقد كان انتحاره الشعلة التي أشعلت ثورة شعب تونس، وثورات الربيع العربي، وكانت روحه الطاهرة هي القربان الذي قدمه لهذه الثورات، هي روحها التي أيقظت الملايين من أبناء الشعب العربي من سباتهم العميق، ليثوروا على الظلم وعلى طغيان حكامهم، وفسادهم الذي كان يزكم الأنوف.
بن لادن شهيد الأمة
ويذهب الفكر المتطرف إلى أبعد مدى، عندما أدى عدد كبير من السلفيين في مصر صلاة الغائب على روح زعيم تنظيم القاعدة بن لادن، في أحد أكبر مساجد القاهرة، وقد رفعوا لافتات وصفوا فيها بن لادن ldquo;شيخ المجاهدينrdquo; وrdquo;شهيد الأمة الإسلاميةrdquo;. وهو الزعيم الذي كانت العمليات الانتحارية التي أزهقت الأرواح وأسالت دم الأبرياء، في الفنادق والأسواق العامة التي تغص بالرجال والنساء والكهول والأطفال، هي سلاح القاعدة المفضل.
وكان تنظيم القاعدة يوزع صكوك الشهادة على من قاموا بهذه العمليات الانتحارية، في الوقت الذي يحرم فيه بوعزيزي من صك الشهادة، وقد كان انتحاره الشرارة التي أشعلت ثورة تونس والثورات العربية.
غزو الكويت
إن العدوان على الكويت في الثاني من أغسطس سنة 1990، هي الجريمة التي لا تزال بكل بشاعتها وتوابعها وتداعياتها تدوي في سمع العالم، وتنطق بكل خرق للأديان السماوية والقوانين الدولية، ولاتفاقيات حقوق الإنسان، وإهدار للقيم الإسلامية والعربية ولكل مواثيق الشرف والإخاء.
ألم يروع صدام بهذه الجريمة أمن شعب بأكمله وانتهك بها حرمة وطن بأسره ليزيل بمنطق القوة دولة ذات سيادة؟
ألم يروع بغزوه الفاجر أمن رعايا أكثر من ثلاثين دولة، كانوا يعيشون على أرض دولة الكويت في أمن وسلام، احتجزهم صدام كأسرى حرب أو رهائن كوسيلة ضغط على حكوماتهم لتأييد غزوه الفاجر، وليجعلهم دروعاً بشرية لهذا الغزو؟
جرائمه في حق شعبه
ولم تكن جريمة صدام حسين في حق الكويت هي أول أو آخر جرائمه، فلقد أنهك شعبه بالمجازر التي ارتكبها في حقه وبالسجون التي امتلأت بالمفكرين والمثقفين، من بقي منهم في العراق. لقد فرض صدام حسين حصاراً على شعبه، قبل أن يفرض المجتمع الدولي حصاره على هذا الشعب الذي امتد سنوات طويلة.
جور صدام يفوق جور سدوم
وأستميح شاعر النيل حافظ إبراهيم عذراً في أن أنقل عنه بعض أبياته معدلة على مقتضى الحال، وهو يقول:
وكانت الأمثال تضرب بيننا بجور سدوم وهو من أظلم البشر
فلما بدا في الكوت آيات ظلمه إذ بسـدوم في جــواره عمر