رسم الخريطة العشائرية والقبلية في سورية

الدغيم: أطفال العشائر بدرعا فجّروا الثورة وضباط علويون انشقوا وصاروا في تركيا
بيروت ـ ريتا فرج
أكد الناطق الرسمي باسم ائتلاف القبائل والعشائر السورية الدكتور محمود السيد الدغيم أن العشائر في سورية أول من فجّر الثورة التي انطلقت من درعا، مشيراً الى أن عدداً كبيراً من عشائر سورية تمتد الى العراق والاردن والسعودية وترتبط مع بعضها برابط العصبية القبلية.
وإذ شدد الدغيم على laquo;أن النظام هدد بعض شيوخ العشائر من عشيرة النعيم والبقارة وانتزع منهم اعترافات تحت التهديد بالسلاحraquo;، لفت الى حدوث انشقاقات في الجيش السوري من أبناء العشائر.
واذ نفى laquo;دعم العشائر للنظامraquo;، اعتبر أنها laquo;دخلت في كل تفاصيل الحركة الاحتجاجيةraquo;، موضحاً laquo;أن هناك عدداً من العشائر العلوية تريد فكّ ارتباطها مع النظامraquo;، لافتا الى أن بعض العلويين انشقوا عن الجيش laquo;وهؤلاء لم يكونوا من الجنود العاديين بل من الضباط، وبعضهم اليوم موجود في تركياraquo;.
laquo;الرايraquo; اتصلت بالناطق الرسمي باسم ائتلاف القبائل والعشائر السورية وأجرت معه الحوار الآتي:
bull; كيف تقسم العشائر في سورية اليوم؟ وما أمكنة انتشارها على الاراضي السورية؟
- العشائر والقبائل السورية تشبه غيرها ممّن يسكن في البلدان العربية، وللعشائر تقسيم طبقي مكوّن من أربع طبقات: طبقة الأمراء والشيوخ القائمة على الجدارة الشخصية وأصالة النسب، وهؤلاء هم الذين يعلنون حالة الحرب والسلم والصلح، وطبقة الأكابر والوجهاء وأرباب الأختام، ويكون منهم العقيد الذي قد يترقي إلى رتبة الشيخ مثل عقيد الموالي فارس العطور من قرية سحال إلى الشرق من معرة النعمان، وقد خلفه ولده أحمد ثم سطام الفارس، وطبقة العامة أي السواد الأعظم من أبناء القبيلة، وطبقة العبيد وقد درج العرب على تسمية عبيدهم بالأسماء الجميلة مثل: لؤلؤ ومرجان ومسرور، وسرور، وغراف، وسالم وسويلم، وما أشبه ذلك، بينما سمّوا أبناءهم بأسماء متوحشة كأسد وغضنفر وذئب وصخر وعقاب ومرة وغير ذلك لتخويف الأعداء.
وبشكل عام، تقسم العشائر والقبائل السورية إلى ثلاثة أقسام باعتبار طبيعة إقامتها، فمنها: البدو الرحل أهل البادية والظعون، ويقال لهم: الأعراب أهل الوبر، وهم يمدحون أنفسهم ويفتخرون بها ثم بأهلهم ثم بعشيرتهم ثم بقبيلتهم، ويهجون من يعاديهم فردياًّ أوعشائريا أو قبليا أو قوميا، وأبرز هؤلاء: الجمالة أصحاب الإبل، وتتفاوت أماكن ترحالهم ما بين 500 إلى 1000 كم، وهم يتنقلون بين الشام والعراق وهضبة نجد في المملكة العربية السعودية، وتضم بعض القبائل أكثر من مذهب كالسنّة والشيعة عند شمر والجبور والحروب. وهناك خطوط سير خاصة إلى حدّ ما لكل قبيلة، فقبيلة عنزة (الأرولة وشيخهم من الشعلان، ووُلد علي، والأحسنة، والفدعان وشيخهم ابن مهيد، والأسبعة وشيخها ابن مرشد بفرعيها: الأعبدة والبطينات) تنتشر بين غوطة دمشق ونجد، وقبيلة شمر تنتقل بين الجزيرة الفراتية السورية وجنوب العراق حيث توجد شمّر طوقة الشيعية، ثم حائل في السعودية، وتنتشر قبيلة النعيم من الجولان إلى حوران إلى حمص إلى معرة النعمان إلى حلب إلى الموصل إلى بغداد، وتنتشر قبيلة العقيدات بين الشام والجزيرة والعراق، وقبيلة الجبور السُّنيّة تنتشر من الجزيرة السورية إلى وسط العراق، ثم جنوبه حيث توجد الجبور الواوية الشيعية.
ومن البدو: نصف الرحل، عُرْبان الدِّيْرَة، أي: نصف المتحضرين، وهم الذين طالت إقامتهم ثم ثبتت في مكان ما من الأمكنة التي كانت ممراًّ لعشيرتهم أو قبيلتهم سابقاً، ثم تخلفوا عن الترحال البعيد لسبب من الإسباب التي فرقت بينهم وبين القبيلة الأمّ. وهؤلاء لهم قراهم ومشتاهم، وهم لا يوغلون بعيداً بحثاً عن الكلأ، وتقتصر نُجعتهم على مسافات تبعد عن قراهم مسافة 200 إلى 400 كم في البراري الشامية.
في الجولان هناك قبائل (النعيم، وبنو خالد، والفواعرة، واللهيب). مستقرة وتربي الأبقار إلى جانب الأغنام. وتعتني بالزراعة أيضاً.
وقبائل محافظة دمشق (النعيم، وحرب، والصياد، والجملان، والفضل، والسلوط، وعنزة) تشتي في ديرة التلول. وقبائل محافظة حمص (النعيم، والعقيدات، وبنو خالد، والفواعرة) تشتي حول تدمر.
وقبائل محافظة حماة (النعيم، والبشاكم، والخراشيون، والتركي، والعقيدات، والطوقان، والمشارفة، وبنوعز) تشتي حول جبل البلعاس وجبل العمور.
وقبائل محافظة إدلب (النعيم، والحديديون، والبقارة، واللهيب، وقيس، والهنادي، والموالي ومنهم عشائر: أمراء البوريشة من ربيعة، والجماجمة، والشويرتان، والمصاليخ، والغازي، والقلقل).
وقبائل محافظة حلب (النعيم، والحديديون، والبقارة، والسياد من عشيرة الوهب، وقيس، والبوليل، والسماطية، والعقيدات، والبوشيخ، والمشاهدة، والولدة، والهنادي، والبوسالم، والبومسلم، والبوبطّوش).
وقبائل وادي الفرات (العقيدات، والبوسرايا، وبقارة الزور، والبوشعبان العفادلة والسبخة، والبوعساف، والبوسبيع، والولدة، وقيس) تشتي حول جبل البشري.
وقبائل الجزيرة الفراتية (بقارة الجبل، وبقارة الأبومعيش، وملّي محمود بك، وطيء، والجبور، والشرابين، وشمر وشيوخا آل الجربا) تشتي إلى الشرق من نهر البليخ وجبل عبد العزيز وجبل سنجار وقرب وادي دعيج.
أما الحضر غير الرحل، فهُم العرب؛ أهل الحضر أو المدر الذين استوطنوا المدن والقرى وتخلوا عن انتجاع البادية طلباً للكلأ ومصادر المياه، وهؤلاء يزدادون بشكل مستمرٍّ بينما تتناقص أعداد البدو الرحل ونصف الرحل، وسبب ذلك الجفاف وقلة الكلأ، وطلب الراحة والدعة والرفاه والتخلي عن شظف العيش. ويستقرّ هؤلاء من أبناء القبائل والعشائر في مناطق الجولان، والزوية، وحوران، وجبل العرب، وتل أصفر، وغوطة دمشق، والزبداني، وتل منين، والضمير، والنبك، وتل بيسة والرستن والحولة وجب الجراح، وسلمية، وسهل الغاب، وسهل الروج، وسهل العمق الذي يمتد إلى تركيا على ضفاف العاصي، وجبل الزاوية، ومعرة النعمان، ومطخ قنسرين، وأريحا، وجسر الشغور، ومعرة مصرين، وجبل الأحصّ، وأعزاز، والباب، ومنبج، ومحافظات الرقة ومير الزور والحسكة، كما توجد قبائل مستقرة في جميع مراكز المحافظات السورية. وبذلك يشكل أبناء القبائل والعشائر بأنواعها أكثر من نصف المجتمع السوري.
وبناء على ما تقدم، نستطيع القول: إن سكان سورية يتكونون من أصول عِدّة، يشكل العرب أكثريتهم حيث ارتادت القبائل العربية بلاد الشام من البلقاء إلى الجزيرة الفراتية إلى ديار بكر التركية، ومنهم المسلمون والمسيحيون الذين ينتسبون إلى الغساسنة في بصرى الشام وغيرها، وهناك أقليات من السوريين تعود أصولهم إلى غير العرب من بقايا اليونان والرومان، والجراجمة الفرس سكان جبل اللكام، والفينيقيين سكان السواحل، والسريان والعبرانيين والآشوريين، والتركمان الزنكيين السلاجقة والمماليك، والأكراد الأصليين والوافدين من جورجيا وتركيا وإيران والعراق. ولا يقتصر التقسيم العشائري والقبلي على العرب السوريين، وإنما يشمل أبناء بقية القوميات كالتركمان والأكراد.
bull; العشائر في دير الزور أعلنت تأييدها للحراك الشعبي في سورية للمرة الأولى. ما تفسيرك لذلك؟
- العشائر في سورية هي أول من فجّر الثورة. ووقوف دير الزور الى جانب الثورة لم يكن نتيجة أحداث الأسابيع الماضية، مع العلم أن العشائر في سورية تشكل 55 بالمئة من المجتمع السوري، وحتى الشركس والتركمان هم من العشائر. درعا التي انطلقت منها الثورة، كل أبنائها من العشائر. وعملياً كل سكان سورية جذورهم عشائرية تنتسب إما للقحطانية وإما للعدنانية، وحتى المسيحيون في حوران لديهم أنساب عشائرية تعود الى الغساسنة، ومنطقة جسر الشغور التي شهدت على اعمال عنف ينتسب أهلها الى عشيرة النعيم، ومنطقة معرة النعمان كلها أصولها عشائرية وهي تمتد الى الحدود العراقية وتنقسم الى قسمين: الموالي والديريين.
ودير الزور، كل أبنائها من العشائر الجبور وشمر والبقارة. لا يستطيع أحد أن يقول إن العشائر تخلفت عن مناصرة الثورة حتى داخل مدينة حمص، فأول شهيد سقط فيها هو من عشيرة خلف. وحتى السوريون الذين لجأوا الى وادي خالد (في شمال لبنان) هم من العشائر الذين تربطهم بأهالي المنطقة روابط قربى. العشائر في سورية لها امتدادات في العراق والسعودية والاردن، وهذه العشائر ترتبط في ما بينها بعلاقات مصاهرة، وترتبط على أساس اللحمة العشائرية وليس الدينية، وبعض هذه العشائر يمتد الى مدينة أورفا في تركيا. إذاً العشائر في سورية دخلت الثورة منذ بدايتها، بل أقول انها موجودة في كل مفاصل الثورة، وقد جاء النظام ببعض شيوخ العشائر سواء من عشيرة النعيم والبقارة وانتزع منهم اعترافات تحت التهديد بالسلاح.
bull; ما أهم العشائر في دير الزور وهل لها امتدادات مع عشائر خارج سورية؟
- العقيدات والبقارة من أهم قبائل دير الزور، والمشكلة أن البعض لا يعرف تركيبة العشائر في سورية وامتداداتها، فنجد مثلاً أن عشيرة الجبور شمال الحسكة وكلها من السنّة تمتد الى جنوب العراق وأهلها من الشيعة. وإذا وصلنا الى حائل في السعودية تصبح عشيرة الجبور من السنّة، ولكن الروابط بين هذه العشائر لا يتحكم بها الأساس الديني وإنما الرابط العشائري. وإذا عدنا الى مقدمة ابن خلدون، نجد أن العصبية هي التي تتحكم بالقبائل، وفي عُرف العشائر في سورية شعار يربى عليه الأطفال laquo;انا وأخوي على ابن عمي وانا وابن عمي على الغريبraquo;. إذاً العلاقات بين العشائر في سورية أقوى من الرابط الديني، وعشيرة الجبور الشيعية في العراق تتعاطف مع عشيرة الجبور السنية في سورية. وهنا اريد العودة الى درعا التي انطلقت منها شرارة الثورة، فالعشائر في درعا تمتد الى الاردن، وحين وقعت الاحداث، ساعدت العشائر الموجودة في الاردن أهالي درعا وقدموا لهم الدواء والغذاء، وحين نزحوا الى الاراضي الاردنية، لم يقيموا في مخيمات بل سكنوا عند أقاربهم. وما أريد التأكيد عليه مجدداً أن العشائر في سورية هم أساس انطلاق الثورة.
bull; لماذا يقول البعض ان العشائر تقف مع النظام ولا تشارك في الحركة الاحتجاجية؟
- الذي يروّج لهذه الاشاعات اليوم هو النظام. ولكن الثابت في سورية أن الاحزاب العلمانية فشلت، والاحزاب الاسلامية فشلت، وحتى حزب الاخوان المسلمين فشل، ولم يبق سوى العشائرية والقبيلة. وهنا أريد التأكيد على وجهة نظري انطلاقاً من تجربتي الشخصية. فقد شاركتُ في حرب 1973 وتسلمتُ قيادة منطقة معرة النعمان في حزب البعث وكنت أهرّب أقارب لي من المخابرات. نجاح العشائرية وفشل الأحزاب أسبابه معقدة، وأذكر أن حزب البعث العام 1980 طرح مسألة مهمة تحت عنوان لماذا نجحت العشائرية وفشل الحزب؟ وبصراحة أقول لأن الحزب مبني على المصالح الشخصية، وحتى العلمانيون في سورية لا يأخذون في الاعتبار موقع العشائر في الثورة، مع العلم أن الذين أشعلوا الثورة هم أطفال العشائر وهم الذين كتبوا على الجدران laquo;ليسقط بشار الأسدraquo;، ومن بعدها امتدت الثورة الى العشائر في حوران وحمص وحماة ودير الزور وحتى في بعض أحياء دمشق.
bull; ما نسبة أبناء العشائر في الجيش السوري؟ وهل صحيح أن بعض زعماء العشائر طالبوا أولادهم بترك الجيش؟
- الكثير من أبناء العشائر تركوا الجيش، رغم أن هذا ليس من الأمور السهلة. وأول انشقاق في الجيش قام به الشهيد عبد المجيد رحمون الذي وقبل أن يطلق الضابط الرصاص على رأسه طلبوا منه مع مجموعة من الجنود إطلاق النار على تظاهرة في السيدة زينب في دوما بعدما قالوا لهم ان هناك أوامر بملاحقة مجموعة من السلفيين والتنظيمات المسلحة. وحين تفاجأ عبد المجيد رحمون بأن اهل دوما ومن بينهم النساء هم المستهدفون، رفض اطلاق النار فقُتل. العشائر في الجيش السوري يحتلون النسبة الأكبر بين الجنود، وعددهم يرواح بين 50 الى 60 في المئة من جنود الاجباري، مع العلم أن 80 في المئة من نسبة الضباط في الجيش هم من العلويين والبقية يتوزعون بين السنّة والدروز والمسيحيين. وحافظ الأسد منذ تسلمه وزارة الدفاع سعى الى اعطاء الجيش صفة طائفية وأبعد السنّة والدروز والمسيحيين عن مواقع القرار داخل الجيش ورفع عدد العلويين داخل مراكز القيادة. وهذا الاتجاه نحو الطائفية أدى الى خلل كبير، مع العلم ان هناك عدداً من العشائر العلوية تريد فك ارتباطها مع النظام، وقد انشق بعض العلويين من الجيش السوري، ولم يكونوا من الجنود العاديين بل من الضباط وبعضهم اليوم موجود في تركيا.