ساجد العبدلي


هناك حساسية واضحة تجاه أي شخص يتناول موضوع ميناء مبارك الكبير، وهو الميناء الذي تعتزم حكومتنا بناءه في جزيرة بوبيان، من زاوية مختلفة عن الزوايا السائدة، ألا وهي زاوية التأييد المطلق، وهذا الأمر لمسته بنفسي من خلال أحاديث هنا وهناك، وكذلك عبر الحوارات العجلى التي تابعتها، وشاركت فيها أحيانا، على الإنترنت في شبكات التواصل الاجتماعي، خصوصا ldquo;تويترrdquo;.
وهذه الحساسية كانت كافية لجعل السواد الأعظم من الكتّاب يحجمون عن الإقدام على سبر الموضوع من هذه الزاوية، والحق أني لم أكن لألوم أحدا منهم، خصوصا أننا نعيش في ظل مرحلة سمتها الأبرز؛ التشكيك في النوايا والتخوين، وشعارها الأظهر؛ إن لم تكن معي وتؤيدني فأنت ضدي، ولهذا فالأصوات التي ارتفعت، في الأغلب على استحياء، بنبرة تختلف عما هو سائد تكاد لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، وقد نالها بالفعل ما نالها من الهجوم.
وكذلك وفي المقابل، فلست ألوم المتحمسين المندفعين من عموم أبناء بلدي نحو دعم مشروع الميناء، فهذا المشروع الذي يرفضه الجانب العراقي، يعتبر بالنسبة إليهم رمزا للسيادة وشأنا داخليا لا يحق لأحد أن يتدخل فيه مطلقا، خصوصا إن كان هذا الأحد هو الجار العراقي، الذي لا تزال ذاكرتنا جميعا رطبة بذكرى عدوانه واعتدائه الآثم.
لكنني سأقدم مع ذلك على مقاربة الموضوع، وأنا مدرك تمام الإدراك هذا كله، وما قد يطولني من جرائه، وذلك رغبة في وضع اليد على الحق، لأن الحق أحق أن يتبع، فعلى الله التكلان.
سأقول مستعينا بالله، إن من الحكمة ألا نجعل النبرة الغوغائية وغير الموضوعية التي شابت أغلب الطروحات العراقية التي ارتفعت ضد هذا المشروع تعمي عقولنا وأبصارنا عن الوقوف عند مواضع التساؤل الجوهرية حوله، وهي مواضع تحتاج إلى إجابات صريحة وشفافة من متخصصين موضوعيين محايدين، يتجردون من العاطفة.
وهذه النقاط المثارة، وإن كانت وردتني على هيئة معلومات، سوف أجعلها على شكل تساؤلات لأعطي للقارئ مساحة للتفكر فيها، ومن بعد ذلك للمتخصصين مساحة للتوضيح والشرح، الذي آمل أن يجعلنا جميعا نتخذ موقفنا على بينة واقتناع، لا عن حماس عاطفي محض.
أولا، ما الجدوى الاقتصادية من بناء ميناء تجاري في رأس الخليج، لن يخدم بدهيا أيا من دول الخليج لبعده عن مسار حركة سفن الشحن، وستقتصر خدمته على العراق والدول التي من بعده مرورا عبر الطرق البرية، ما الجدوى من هذا الميناء والعراق يرفضه، بل ينوي بناء مينائه الخاص في الفاو، أي بالقرب منه ليقوم بذات الدور؟
ثانيا، ما السر الهندسي في اختيار هذا الموقع بالذات وهو بحسب ما شاهدت في التقارير والخرائط، الموقع الأبعد في جزيرة بوبيان عن بقية أرض الكويت؟ ولماذا ترك كل شاطئ الجزيرة من ناحية الجنوب مثلا؟
ثالثا، ما حقيقة التأثيرات البيئية الضارة في أماكن تكاثر ونمو الربيان وكائنات بحرية أخرى في تلك المنطقة، وكذلك في المواقع التي تمر بها حركة الطيور المهاجرة الموسمية في جزيرة بوبيان؟
رابعا، ما حقيقة كون بناء الميناء سيؤدي إلى عرقلة حركة تيارات الموج الطبيعية في تلك المنطقة مما سيتسبب في ركود المياه وخنقها في القنوات البحرية القريبة منه؟
هذه هي التساؤلات التي رأيت أنها جديرة بأن تثار كي تجد لها إجابات شافية، فإنشاء هذا الميناء الضخم ليس بالشيء الهامشي التافه، إنما هو مشروع ستصرف عليه المليارات من خزينة الدولة العامة ومن أموال هذا الشعب، وما لم يكن المشروع مجديا ونافعا حقا على كل مستوياته ومن دون أضرار، فمن الغباء كل الغباء الإصرار عليه لمجرد أننا نريد أن نثبت أنها أرضنا وأموالنا وسيادتنا ومن حقنا أن نفعل فيها ما نريد!