سركيس نعوم

تزامنت الزيارة التي قام بها رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس للبنان قبل عشرة ايام مع أخبار إعلامية تفيد ان quot;حركة حماسquot; تفكر في نقل مقر قيادتها من سوريا الى مصر. وتؤكد ان امينها العام خالد مشعل، الذي كان في حينه يزور القاهرة، فاتح المسؤولين فيها بهذا الأمر. طبعاً حاول الاعلاميون الافادة من وجود عباس في بيروت للاستفهام عن هذا الموضوع، وللاطلاع منه على خلفياته في حال صحته، وكذلك على آثاره على السلطة وعلى الانقسام الحاد داخل الصف الفلسطيني، بل على عملية السلام كلها. لكنه لم يتجاوب مع محاولتهم، وناب عنه في ذلك عضو الوفد المرافق له عزام الاحمد الذي اكتفى بجواب مقتضب نفى فيه الاخبار المشار اليها اعلاه. هذا الجواب كان quot;ما فيش منّوquot;. هل كان جواب عزام الاحمد تهرباً ديبلوماسياً من الخوض في موضوع حساس ودقيق ام من ذكر الحقيقة؟ الحقيقة ليس موضوع quot;الموقفquot; اليوم الخوض في ما قاله، بل موضوعه معرفة حقيقة موقف quot;حماسquot; من انتقال قيادتها الى مصر الذي تناولته وسائل الاعلام. والمعلومات المتوافرة عند جهات عربية سياسية وأخرى ديبلوماسية لا تنفي الانتقال المذكور اعلاه ولا تؤكده، لكنها تشير الى ان بحثاً معمقاً فيه جرى مرتين مع دولتين عربيتين. واحدة لها ثقل سياسي كبير عربياً واقليمياً ودولياً وحتى اسرائيلياً، ولها تاريخ في مساعدة شعب فلسطين وفصائله سواء لمقاومة الاحتلال الاسرائيلي، أو لتمكينهم من التوصل مع اسرائيل لتسوية سلمية عادلة وشاملة في الحد الادنى تؤمن للفلسطينيين دولة مستقلة وهوية وطنية رسمية. اما الدولة العربية الثانية فلها ثقل مادي جراء ثروتها الهائلة، فضلاً عن انها نجحت، وخلال سنوات، في تكوين ثقل سياسي من خلال قيامها بأدوار سياسية عربية واقليمية أكبر من حجمها. وهي لم تكن لتنجح في ذلك لولا انفتاح الحكم القائم فيها، ونجاحه في نسج علاقات مع القوى الاقليمية الكبرى في المنطقة ومنها اسرائيل وايران، والقوى العظمى والكبرى في العالم، وكانت نقطة انطلاقها الاولى، وإن غير الوحيدة، المصالح الوطنية. نبدأ مع الدولة الثانية، وهي قطر، لأن البحث في موضوع انتقال quot;حماسquot; الى اراضيها تم قبل إثارته مع الدولة الاولى، والذي قام بالبحث كان الأمين العام خالد مشعل.
طبعاً لم تنجح المحادثات في النهاية رغم استمرار العلاقات جيدة بين قطر وquot;حماسquot;، لأن الاولى ابدت استعدادها لاستضافة القيادات السياسية quot;لحماسquot;، ولم تبدِ موافقة او حتى حماسة لاستقبال القيادات العسكرية على تنوع مستوياتها، كما الكوادر الأمنية. وقد بيَّنت طبعاً اسبابها لذلك ولقيت تفهماً من مشعل. اما الدولة الأولى فهي مصر. وقد اجرت quot;حماسquot; معها محادثات حول الموضوع نفسه اكثر من مرة قد تكون آخرها اثناء زيارة مشعل الاخيرة للقاهرة. لكن الفريقين لم يتوصلا الى نتائج حاسمة. ويعني ذلك عدم القبول، ويعني في الوقت نفسه عدم الرفض، او بالأحرى ترك الابواب مفتوحة لمعاودة البحث في الموضوع مستقبلاً. ما هي اسباب عدم بت مصر نقل quot;حماسquot; او قيادتها من دمشق الى القاهرة؟ الأسباب متنوعة منها اصرار مصر على اتمام المصالحة بين السلطة الفلسطينية وعمودها الفقري quot;فتحquot; وquot;حماسquot; بعد نجاحها، وإن بعد ثورة 25 يناير فيها، في اقناع الاخيرة بتوقيع quot;ورقةquot; المصالحة. وينبع ذلك من معرفتها بهوية من يعطل الاتفاق وتنفيذه. ومنها ايضاً اصرار مصر على سير السلطة وquot;فتحquot; من جهة وquot;حماسquot; من جهة ثانية معاً في عملية السلام بكل مندرجاتها، وعلى مواجهة صعوباتها معاً تلافياً لانفراطها الذي يصيب الجميع بالضرر. وطبعاً لم يكن في وسع مشعل الالتزام بذلك على الاقل الآن. هل يلتزم مستقبلاً؟ لا احد يعرف. لكن ما لا بد من الاشارة اليه هو انه ربما يعتقد ان على حركته مغادرة سوريا اولاً، لأنها عاجزة عن القيام بما يطلبه نظامها منها من مشاركة في مواجهة الانتفاضة، ربما لأن غالبيتها اسلامية، ولأن quot;حركتهquot; اسلامية وquot;اخوانيةquot;. وثانياً، لأن مصر الجديدة، اي مصر الثورة، قد تكون، ورغم كل شيء، مصر الاسلامية ذات التمثيل quot;الاخوانيquot; وإن تحت عباءة العسكر. ولذلك فان الاسئلة التي تُطرح هي: هل يستطيع اتخاذ قرار كهذا، مما يعني التخلي عن حليفين ساعدا حركته كثيراً ودعماها هما سوريا وايران؟ وهل تقبل حركته او أجزاء منها الانتقال مع كل مترتباته؟
ملاحظة: حلت خطأ في آخر السطر الحادي عشر من المقطع قبل الاخير في quot;الموقفquot; امس كلمة للانتقاد بدلا من للاقتصاد. فتغيّر المعنى.