العزب الطيب الطاهر

دعني أحيطك علما ياسيدي الرئيس أنني واحد من كتيبة ظلت تدافع بقلمها وفكرها عن دور سوريا القومي وفي صدارة قوى الممانعة في مواجهة دوائر ظلت تسعى باستمرار إلى تقزيم هذا الدور وإجهاض فعاليته لمصلحة الكيان الصهيوني وقد زرت دمشق مرتين في عهد الراحل والدك الرئيس حافظ الأسد في مطلع التسعينيات من القرن الفائت بصحبة الزميل أحمد علي رئيس تحرير صحيفة الراية وقتذاك وعدت إلى الدوحة محملا بعشق هذه المدينة وتاريخها وكان من حسن حظنا أننا كنا أول من حصل على مضمون الموقف الرسمي السوري تجاه الخوص في عملية السلام وفقا لمحددات مدريد بعد أن أجرينا سلسلة من اللقاءات مع كبار مسؤولي هذه الفترة بعضها كان للنشر وبعضها الآخر كان للفهم.
ودعني أحيطك علما يا سيدي الرئيس أن سوريا تسكن في عمق وجداني فهي كانت الإقليم الشمالي للجمهورية العربية المتحدة في الفترة من العام 1958 وحتى العام 1961 وهي الفترة التي شهدت إطلاق أول دولة وحدوية في التاريخ العربي المعاصر ولكنها تعرضت لمؤامرات الداخل والخارج فتم إسكات صوتها مبكرا ولم يكتب لها الاستمرار خوفا من تأثيراتها الإستراتيجية خاصة على صعيد إدارة الصراع مع الكيان الصهيوني وشخصيا ما زلت أحمل في أعماقي فيضا من المشاعر لهذه الفترة خاصة لهذا الشعب الذي حمل سيارة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر أبان إحدى زياراته لـquot; الشام quot; وهو الاسم الذي يطلق على دمشق
وخلال فترة عملي بالدوحة التي استمرت زهاء العشرين عاما كانت السفارة السورية واحدة من أهم السفارات التي أتعامل معها بأريحية سواء على الصعيد المهني أو الصعيد الإنساني كنت أرتبط بعلاقات وثيقة مع معظم القائمين بالأعمال والسفراء خلال هذه الفترة انطلاقا من محبتي للإقليم الشمالي للجمهورية العربية المتحدة.
ظللت في كتاباتي متبنيا مواقف سوريا الوطنية والقومية ولا أخفيك أنك عندما جئت رئيسا لم أعترض كثيرا في قرارة نفسي رغم أنك كنت أول من كرس نظرية التوريث في النظم الجمهورية فقد كنت على قناعة بأن سوريا في حاجة إلى استقرار يجنبها السقوط في براثن اضطرابات داخلية تؤثر على هذه المواقف في ظل قيادتها المواجهة مع الكيان الصهيوني والتي كانت تأخذ أشكالا غير مباشرة وبالذات في لبنان.
كان يهمني ويهم غيري من الغيورين على الدور السوري الممانع المحافظة على الجيش السوري حتى يمتلك القدرة على تحرير الجولان المحتلة منذ أكثر من أربعين عاما في الزمان الذي يراه مناسبا.
ولا أخفيك أنني تفاءلت بك كثيرا بعد أن تابعت تصريحاتك وخطاباتك عن الإصلاح والدخول في مرحلة مغايرة باتجاه بناء نسق جديد يقوم على احترام حقوق الإنسان وتطهير البلاد من الفساد وتحقيق شكل ديمقراطي يتناسب مع الخصوصية السورية التي أقدرها وكنت أتطلع مع غيري من المحبين لسوريا :الوطن والدور. إلى بلورة هذه الرؤى في خطوات عملية وهو ما تم على استحياء للأسف ولكن كنا نحاول أن نعثر على مبرر بأن حالة المواجهة المستمرة التي تعيشها سوريا مع الكيان تتطلب التحرك بتأن في هذا الاتجاه.
لكنني يا سيدي الرئيس فوجئت مثل غيري - بعد أكثر من عقد على توليك الموقع الأول في سوريا - أن الأمور تراوح مكانها ولا أدري ما سر ترددك في الإقدام على خطوات تعيد التوهج إلى الشام وبقية مدن الوطن على نحو يصبغ الوجوه بالابتسامات بدلا من الخوف والشعور بالقهر الذي تمارسه الأجهزة الأمنية صحيح أن سطوتها في عهدك تخففت بعض الشيء من وضعيتها خلال حكم والدك حافظ الأسد لكن قرارها ظل هو المهيمن على المشهد السوري.
لم تبادر يا سيدي مع صحوة الشعوب العربية إلى تبني وعودك أنت لتتجاوب مع مطالب الشعب السوري التي بدأت كغيرها بالدعوة إلى تحقيق الإصلاحات الداخلية والتخلي عن بعض رموز الحكم التي تمارس الفساد بكل تجلياته فضلا عن القهر باسمك
طالبوك فلم تستجب ومع تصاعد المطالب سارعت بإدخال الجيش في مواجهة مع الشعب وتلك أم الخطايا فهذا الجيش هو جيش الشعب ومهمته الأولى محددة بالدفاع عن الوطن وتحرير الأجزاء التي ما زالت محتلة من قبل الكيان، سوق أركان النظام وأنت شخصيا لمقولة الجماعات الإرهابية المسلحة ولكن حتى مع صحة هذا التسويق فإن مواجهة هذه الجماعات لا تكون بتصويب فوهات المدافع والدبابات وكل الأسلحة الحديثة- والتي كنت أظن أن النظام يجهزها للمواجهة المنتظرة مع العدو القابع على بعد أميال محدودة من دمشق- إلى صدور الشعب الأعزل. وإنما تكون ببضع قوات من الأمن الداخلي ولكن يبدو أن هذه المقولة لم تكن إلا محاولة للالتفاف على المطالب الشعبية المتصاعدة بتحقيق الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وبناء الدولة الحديثة التي لا تقوم على القهر.
أطلقت العنان لجند الشام ليقتلوا ويذبحوا أشقاءهم وخرجوا في طوابير ممتدة لاقتحام المدن والبلدات على نحو يشبه ما يفعله جند العدو في فلسطين والجولان ولبنان في فترات سابقة.
لماذا يا سيدي تقدم على ارتكاب أم الخطايا كيف نصدق أن جيش الشام سيكون قادرا على مواجهة العدو بعد أن أنهكته في مواجهات مع شعبه بما في ذلك الأطفال وتلك سبة في جبينك ياسيدي؟ وهو ما يدفعني إلى القول : إن هذا الفعل بالذات يصب في مصلحة العدو بالدرجة الأولى والذي ضمن حياديته في أول مواجهة قادمة معه وكنا ndash; أنا وغيري من عشاق الشام - نظنه بمثابة الاحتياطي الإستراتيجي العربي في معاركنا الفاصلة مع الكيان والتي ستأتي بالتأكيد يوما ما.
إنني أخشى يا سيدي على جيش الشام إن استمر عنادك في الاستجابة لمطالب شعبك والتي لم تعد تقف عند حدود الإصلاحات الجزئية التي تجاوزتها الهتافات والدماء المسفوكة والشهداء الذين عطرت أرواحهم الذكية طرقات المدن والبلدات والقرى السورية.
أخشى أن يتوافق المجتمع الدولي على ضرب هذا الجيش وهو ما سيحقق مصلحة الكيان الصيهوني والولايات المتحدة بالدرجة الأولى بحجة أنه مستمر في قتل المدنيين وفقا للنموذج الليبي والذي يبدو أنك ماض فيه عمدا مع سبق الإصرار فأنت تتعامل مع شعبك بمنطق معمر القذافي باعتباره يستحق الإعدام والقتل مقابل بقائك في السلطة بيد أن إرادة الشعوب باتت -وفي ضوء التجربة المصرية والتونسية والليبية- غير قابلة للاختراق حتى ولو طال أمد القهر والقتل فيها.
إن الحتمية التاريخية تقول إنه ليس بوسع الحكام فرض سطوتهم على الشعوب بمنطق القوة فهي قادرة على تقديم المزيد من الشهداء مقابل استعادة حقها في امتلاك مقدراتها وهو ما يبدو أنك لم تستوعبه بعد وأخشى أن تفعل ذلك بعد فوات الأوان مثلما فعل كل من زين العابدين بن علي وحسني مبارك وكلاهما تعامل مع إرادة شعبه بمنطق التعالي والجفاء وانتهاك الحقوق.
يا سيدي أسرع بقيادة ثورة ضد نظامك، انس مسألة الإصلاحات، قل لشعبك إنك أخطأت وإنك ترغب في إنهاء أوضاع قادت إلى قتل أبنائه، حاسب من أضلوك وضللوك وأبعدوك عن نبض الشعب فسكنت قمة عالية بينما شعبك يقبع في وديان القهر والصمت والأرض الجرز ( التي لا تنبت) تعاليت عليهم بعد أن ضخمك المحيطون بك وأدخلوك الدائرة الجهنمية التي يسكنها معك أشقاء وأصهار لك ونخبة من المستفيدين.
ياسيدي ثر أنت. تحرك باتجاه الجماهير الثائرة. اذهب إليها. عانقها. تبن مطالبها. قل لهم : إنك منهم. وإلا فاذهب قبل أن يجتاحك طوفانها مثلما فعلوا مع عقيد ليبيا ظل ينظر لشعبه باعتباره مجموعة من الجرزان ولكنه بعد ستة أشهر فحسب من عدم الفهم والتصديق أصبح جرزا لا يقدر على إبراز رأسه من جحره الذي لا يعلمه أحد.
السطر الأخير:
في آخر أيام الشهر
أدعوك يا الله
أن تتقبل مني صوما وقياما
ودعاء وجهته لمقامك الأعلى
أن تحمي أمتك الثكلى
المسكونة بقهر الحكام القتلة
المأجورين على سفك دماء عبادك
انصرهم يا الله
اهزم عدوهم يا جبار
كما هزمت من قبل فرعون وهامان
لا تذر في دنيانا من يقبض على سلطة دون عدل
لا تبقي من يحول دوننا والحرية
اخفض مقامه امنحه الذل