صدر أول تعليق رسمي للخارجية الأمريكية على الاحتجاجات التي التي عمت تونس اثر انتحار الشاب محمد البوعزيزي، في بداية شهر يناير 2011 ، و كان في شكل إدانة quot;تدخل السلطات التونسية لحجب مواقع الانترنت و الفايسبوك.quot; لا يعني هذا بالضرورة أن الإدارة الأمريكية ترى وجود علاقة سببية بين مواقع التواصل الاجتماعي و التغيير. لكن الواضح اليوم ان الانترنت كانت عاملا مساعدا لنشر المعلومة، و لولاها لما تحولت احتجاجات منطقة الوسط الغربي على الأرجح إلى انتفاضة عارمة انتهت بسقوط النظام. من هنا قام البعض بالمقاربة بين دور الانترنت في الانتفاضة العربية الأخيرة و دور الصحافة المطبوعة في اندلاع و نجاح الثورة الفرنسية.
لعل الكتاب الذي نشرته المدونة التونسية لينا بن مهني مؤخرا في فرنسا يعطي فكرة أوضح عن دور الانترنت في الانتفاضة التونسية و العربية بصفة عامة، نظرا لدور هذه الشابة الشجاعة الرائد في هذا المجال (عنوان الكتاب: Tunisian Girl, Blogueuse pour un printemps arabe Editions Indigene, 2011).
خلافا للرأي الشائع، ترى المدونة لينا بن مهني أن رسالة التحذير الأولى للنظام التونسي لم تأت في انتفاضة الحوض المنجمي في سنة 2008 و إنما في يوم 22 مايو 2010، يوم مظاهرة المدونات و المدونين وسط تونس العاصمة. حققت المظاهرة هدفها في الداخل عندما التحق بها آلاف المتعاطفين، لكن الرسالة الأهم و التي فشل النظام في إدراك محتواها آنذاك تتمثل في قدرة المدونين على نقل الحدث بالصورة على مواقع التواصل الاجتماعي، مما اسقط في الماء الدور المعهود إلى حوالي 600 فني في الوكالة التونسية للانترنت للحيلولة دون ذلك.
تتساءل المدونة في كتابها عن الفرق بين انتفاضة الحوض المنجمي في 2008 و انتفاضة الوسط الغربي في نهاية 2010، و تجيب بنفسها عن السؤال بالرجوع إلى عدد الموطنين الذين يستعملون الفايسبوك (860 ألف في الفترة الأولى مقارنة بــ 2،4 مليون في الفترة الاخيرة).
من أهم ما ورد في الكتاب وصف الطريقة التي استفادت بها المدونة التونسية بالتعاون مع زملائها في الداخل و الخارج من تقنيات الاتصال الحديثة و تطويعها لتحقيق الهدف المنشود. المتطوعون المتواجدون على عين المكان يجمعون المعلومة، يأخذون الصور، و يسجلون قوائم المصابين و الجرحى من المستشفيات بتواطؤ من الأطباء. بينما يقوم المدونون بعد ذلك بنشر هذه المعلومات على مواقع الانترنت، مما وفر مادة دسمة لوسائل الإعلام العالمية، خصوصا الفضائيات. كما أن المصداقية التي أصبح يتمتع بها المدونون التوانسة في تلك الفترة جلبت لهم اهتمام الإعلاميين و المراسلين الأجانب مما أعطاهم فرصا أفضل للتنقل بين مواقع الحدث صحبة هؤلاء، و وفر لهم بعض الحماية من الملاحقات الأمنية.
صحيح ان التطور الذي سمح بزيادة مستعملي الفايسبوك بثلاثة أضعاف في اقل من 3 سنوات، يعود في المقام الأول إلى الخيارات التونسية الأساسية منذ استقلال البلاد التي استثمرت في التعليم و الانفتاح على الغرب، أي أن السلطات التونسية وقعت في المقام الأول ضحية نجاحاتها. لكن هذا لا ينفي الفضل الذي عاد إلى مجموعة المدونين التونسيين الذين سارعوا للاستفادة من المعطيات الجديدة.
بالنسبة للمدونة لينا بن مهني، لقد استفادت أولا من خيار التعاون مع الدول المتقدمة - و هم خيار بورقيبي بامتياز منذ الأيام الأولى لاستقلال البلاد - و ذلك بقضائها سنة 2008 في أمريكا متمتعة بمنحة quot;فولبرايتquot; مما فتح أمامها آفاقا جديدة، بما في ذلك ربط علاقات مع نظرائها من مختلف دول العالم، و النشر على الموقع العالمي للمدونين

quot;Global Voices Onlinequot;.
كل هذه العوامل بدأت تتوفر في الدول العربية الأخرى، و لو بصفة اقل، و هو ما يفسر المنحى المختلف للانتفاضات الشعبية في دول مثل اليمن و سوريا. لكن ردم الهوة في مجال الانترنت يتم هذه الأيام بسرعة و من غير المرجح أن تستطيع حكومات هذه الدول الحيلولة دون تحقيق مدونيهم نفس النجاح الذي حققه نظراؤهم التوانسة من قبل. لذلك، فلا خيار أمام هذه الحكومات غير الاعتراف بان نقل المعلومة بحرية أصبح معطى جديد في عالم اليوم، يجب تحديد باقي السياسات - بما في ذلك السياسة الإعلامية ndash; على أساسه.
و العقل ولي التوفيق
[email protected]