كما أشرت في مقالي السابق على إيلاف quot;هل أخطا هانتينجتون في صراع الحضارات؟quot; وفرت الانتفاضة العربية الأخيرة فرصة لمراجعة عدد من المقولات. و انه لمن حسن الطالع أن تقوم رابطة العقلانيين العرب بهذا العمل فيما يخص مقولة هامة في شان quot;التحفّظات الفكرية حول أولوية الديمقراطية: ومن بينها تلك التي تقول بأنّ الديمقراطية لا تأتي إلا مسبوقة بالحداثة، وبأنها قد تحمل الإسلاميين والأصوليين والمتطرفين إلى السلطةquot; حسبما ورد في بيانها الأخير المنشور على موقعها على الانترنتwww.alawan.org .
اعتبر نفسي من بين الذين روجوا لهذه المقولة في عدة مقالات أهمها مقالي المنشور على إيلاف في سبتمبر 2006 ، بعنوان أولوية الحداثة في ترتيب عملية الإصلاح، والذي تناقلته عدة مواقع أخرى على الانترنت بعد ذلك، و يمكن للقارئ تصفحه على الشبكة.
في ذلك المقال كتبت: quot;توفر الحداثة التربة الصالحة لنمو نبتة الحرية و الحكم الرشيد، مما يساعد على نجاح الانتخابات الحرة، التي تأتي في هذه الحالة تتويجا للمجهود السابق، عل عكس ما يجري حاليا (تاريخ كتابة المقال) في العالم العربي من قفز في المجهول نتيجة التسرع في تنظيم انتخابات حرة نسبيا، لكن في مجتمع لا تتوفر فيه الشروط الضرورية لتحمل نتائجها و تبعاتها.quot; و هنا لا أجد نفسي في تناقض مع إعلان العقلانيين العرب: quot;نتفهّم وجود مخاوف من انحراف هذه الثورات عن أهدافها الحداثية وانجرافها نحو مقاصد أصولية انتكاسية أو نحو فتن طائفية قد تأتي على الأخضر واليابس.quot; لكنني لا أرى الأساس الذي بنت عليه الرابطة قناعتها عندما أكدت: quot; وواقع الحال أن الديمقراطية، وإن لم تكن شرطاً كافياً لولوج عتبة الحداثة، فإنها في المقابل شرط ضروريّ للعبور الآمن نحوها.quot;
سؤالي هنا هل وفرت الانتخابات الحرة التي نظمها الجنرال سوار الذهب بعد إسقاطه نظام النميري عبورا آمنا نحو الحداثة في السودان؟ أم أن الرهان أن ذلك كان سيحصل في الجزائر لو سقطت في أيدي الجبهة الإسلامية للإنقاذ يوم الانتخابات الحرة التي نظمها الرئيس بن جديد، و هو اليوم الذي اعتبره الشيخ علي بلحاج quot;يوم عرس الديمقراطية و يوم مأتمهاquot;؟ أم إن سطو الفرع الفلسطيني للإخوان على الحكم في قطاع غزة بعد أن سمحت لهم لانتخابات الحرة برئاسة الحكومة يمثل عبورا آمنا نحو الحداثة في القطاع المنكوب؟ الم يتابع عقلانيو الأمة ما حصل في غزة كنتيجة للانتخابات الحرة بعد أن حولت حماس القطاع إلى جحيم، كما ورد في مقالات عديدة لباسم النبريص و احمد أبو مطر و كما ورد في تقارير المنظمات الحقوقية الدولية ذات المصداقية؟
أملنا لا يختلف بطبيعة الحال عن أمل رابطة العقلانيين عندما أعلنت: quot;ولعلّ تمحور ثورات الشارع العربي حول قيم الحرية والكرامة والعدالة والتغيير، ومواجهتها للأنظمة الاستبدادية بشعار الديمقراطية، وللأنظمة الدينية بشعار المدنية، وللأنظمة الطائفية بشعار العلمانية، ومواجهتها لحالات الانقسام بشعار الوحدة الوطنية، وتأكيدها على انخراط المرأة في الفضاء العمومي... يضع المنطقة العربية أمام فرصة تاريخية لولوج عهد الدولة الديمقراطية والحداثة السياسية.quot; لكن من المهم التنويه هنا أيضا بان تمحور عدد من الثورات في السابق نحو قيم الحرية و المساواة لم يمنع من اختطافها من طرف مجموعة مستبدة، كما حصل في إيران على أيدي من اعتبروا أنفسهم أوصياء على الدين، و الذين أقصوا كافة الشرائح الأخرى التي ساهمت في الثورة مثل مجاهدي خلق و الاشتراكيين و البازار و الداعين للديمقراطية على الطريقة الغربية...
و اليوم و نحن نرى إعادة سيناريو سرقة الثورة مثلما حصل مؤخرا مع احد أشهر زعماء الثوار الشاب في ميدان التحرير في القاهرة على يد أتباع الشيخ القرضاوي، فالواجب يقتضي التحذير من المخاطر المحدقة و إيجاد أفضل الوسائل لقطع الطريق أمام مختطفي شعارات الحرية و الكرامة و العدالة و التغيير.
و العقل ولي التوفيق
التعليقات