59% من المصريين يقفون إلى جانب الأصولية الدينية في صراعها مع قوى الحداثة، مقابل 11% فقط في تركيا

مع نجاح انتفاضة الشباب المصري في إزاحة الرئيس حسني مبارك عن الحكم و بدء الإعداد لإصلاحات دستورية و سياسية في البلاد، ارتفع سقف التوقعات لغد مشرق و ديمقراطي. لكن الواقع المتردي في مصر منذ ستة عقود، و الذي دمر أسس الدولة المدنية فيها سوف يجعل من هذا التحول المأمول عملية صعبة للغاية - مقارنة بالدول الإسلامية الحداثية مثل تونس و تركيا و ماليزيا- و قد يجعل احتمال التغيير نحو الاسوا في هذه الدولة الاحتمال الأكبر.

فبالمقارنة مع تركيا، و حسب نتائج استطلاعات الرأي لمؤسسة quot;بيوquot; يرى 85% من المصريين أن التأثير الإسلامي على السياسة أمرا ايجابيا مقارنة بنسبة 38% فقط في تركيا. و قد يبدو الأمر بديهيا في أول وهلة، لكن التجارب التاريخية المريرة تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن توريط الدين في السياسة يدخل البلاد في متاهات التناحر الطائفي في دولة فيها اكبر أقلية مسيحية في المنطقة، بل يدخل الأغلبية المسلمة نفسها في متاهات تفسير النص الديني عند إعداد و تطبيق التشريعات، مما يؤجج نار الفتنة بين المذاهب المختلفة داخل الدين الواحد. و هذا ما يفسر إفلاس الدولة الدينية على مدى التاريخ البشري، بما في ذلك الكوارث التي أدت إليها تطبيقات الدولة الإسلامية الحديثة، من إيران الشيعية إلى سودان حسن الترابي إلى طالبان في أفغانستان و الفرع الفلسطيني للإخوان المسلمين ndash; حماس - في قطاع غزة. كما تفيد نفس الاستطلاعات أن 59% من المصريين يقفون إلى جانب الأصولية الدينية في صراعها مع قوى الحداثة، مقابل 11% فقط في تركيا، و أن نسبة 41% من المصريين لا يعتقدون بان الديمقراطية هي أفضل أنظمة الحكم، مقارنة بنسبة 24% فقط في تركيا.

و ما هذه الردة السياسية إلا انعكاس للردة التي شهدتها مصر على المستوى الاجتماعي، خلال العقود الأخيرة. فحسب نفس استطلاعات الرأي لمؤسسة quot;بيوquot; المذكورة أعلاه، نجد أن نسبة 54% من المصريين تؤيد التفريق بين الرجل و المرأة في ميدان العمل، مقابل 13% فقط في تركيا، رغم تناقض هذه الممارسات مع ضرورة العمل في المجتمع الحديث، بدليل ما لجا إليه البعض من فتاوى quot;رضاعة الكبيرquot; كمخرج من هذه الورطة.

82% من المصريين يؤيدون رجم الزانية، بينما يؤيد 77% منهم قطع يد السارق و 84% قتل المرتد
و قس على ذلك في مجال حقوق الإنسان التي ترعاها المواثيق الدولية في عالم اليوم. فنسبة 82% من المصريين يؤيدون رجم الزانية، بينما يؤيد 77% منهم قطع يد السارق و 84% قتل المرتد عن الدين الإسلامي، مما يجعل البلاد في تناقض واضح مع التزاماتها إزاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تحمي المادة 17 فيه الحق في الردة عن أي دين أو معتقد من منطلق حرية الرأي.

بناء على نتائج استطلاعات الرأي التي تم عرضها في هذا المقال، يبدو واضحا أن الآراء التحررية و العصرية لشباب ميدان التحرير في القاهرة لم تكن تمثل رأي شرائح واسعة و ربما حتى الأغلبية من الشعب المصري. لذلك توجب الوعي بأهمية التحديات الحقيقية التي تواجه مصر ما بعد مبارك، و هي ذات المحتوى الاجتماعي قبل السياسي، مما يتطلب العمل الجماعي الجاد للتقدم بقانون جديد للمرأة يلغي تعدد الزوجات و يحصر الزواج و الطلاق في المحاكم المدنية، و ذلك بهدف حماية حقوق الزوجة و وضع حد للخلافات الطائفية الحالية بين المسلمين و الأقباط.

سوف يكون بمقدور نسبة الــ 41% من المصريين الذين لا يؤمنون بالديمقراطية الالتفاف عليها و إسقاطها، كما فعلت حماس في قطاع غزة.
و لكي تنجح مصر في رفع هذه التحديات، لا بد من دور اكبر لمؤسسات المجتمع المدني، كما لا بد من إصلاحات جذرية على مستوى مناهج التعليم و الخطاب السياسي و الديني. و ما لم يحصل هذا فسوف يكون بمقدور الأغلبية المتخلفة عرقلة أية محاولات جادة للتحديث و التقدم في مصر، كما لا نستبعد قيام الــ 41% من المصريين الذين لا يؤمنون بالديمقراطية بالالتفاف على الثورة و إسقاطها، كما فعل فرع الإخوان المسلمين في قطاع غزة في صائفة 2007.
و العقل ولي التوفيق
[email protected]