كان إعلان مؤسس عملاق برمجيات الكومبيوتر quot;مايكروسوفتquot; توجيه معظم ثروته المقدرة آنذاك بحوالي 26 مليار دولار للعمل الخيري مفاجأة كبرى، خصوصا خارج أمريكا، لان القرار خرج عن المعتاد. و برر quot;بيل جايتكسquot; قراره بان مؤسسة العمل الخيري التي أنشاها لهذا الغرض ndash; و التي تحمل اسمه و اسم زوجته ndash; سوف تكون قادرة على إدارة الثروة و خدمة فقراء العالم بصفة أفضل مما لو ترك ثروته إرثا لأبنائه.

لم يكن بيل جايتكس الأمريكي الوحيد الذي تبرع بثروته للمحتاجين بناء على هذا الاعتقاد. أستاذ الاقتصاد الحائز على جائزة نوبل quot;دوجلاس نورثquot; تبرع هو الآخر بجزء من راتبه للجامعة التي كان يدرس فيها مبررا قراره بعدم حاجته لهذا الفائض من الأموال و بان وقف الجامعة سوف يكون بمقدوره إدارة هذه الأموال بصفة أفضل. كما قام ثاني اكبر أثرياء أمريكا و رجل الأعمال المعروف quot;وارن بافيتquot; بتوجيه معظم ثروته التي كانت تقارب 30 مليار دولار لدعم مجهود مؤسسة quot;جايتكس.quot;

لتعزيز مساهمة باقي الأثرياء الأمريكيين في هذا المجال، قام بيل جايتز و وارن بافيت بــ quot;مبادرة العطاءquot; التي حققت نجاحا كبيرا، حيث التزم حتى الآن 40 شخصا من اكبر أثرياء أمريكا بتخصيص ما لا يقل عن نصف ثروتهم لهذا الغرض.

من الواضح أن العمل الخيري المؤسسي يمثل احد أهم الفوارق الثقافية التي تميز الأمريكيين عن غيرهم. ففي مناطق أخرى في العالم مثل أوروبا و اليابان يوجد نفس الثراء تقريبا دون حصول مبادرات من هذا القبيل. لذلك رأى بيل جايتكس و وارن بافيت أهمية إعطاء المثل لنظرائهم في الدول الأخرى. و هذا هو الغرض من زيارتهما الأخيرة إلى الصين. و قد حظيت الزيارة بتغطية إعلامية واسعة في هذا البلد النامي أدت إلى مناقشات واسعة عن الدور الذي بإمكان الأثرياء القيام به لمقاومة الفقر الذي ما زال يهدد حياة أكثر من 300 مليون مواطن هناك.

كما هو الحال مع الأفكار الجديدة، واجهت المبادرة كثيرا من التشكيك في الصين بدعوى أن نموذج مؤسسة جايتكس العملاقة لا يتماشى و واقع البلاد و عدم وجود بنية تشريعية تدعم عمل المؤسسات الخيرية. و أعلن ثري صيني بالمناسبة تخصيص نصف ثروته عند مماته للعمل الخيري. لكن هذه البداية شبه المتعثرة لا تعني فشل المبادرة. و الأرجح أن تتعز قناعة الأثرياء الصينيين بأهمية العمل الخيري مع مرور الوقت و نجاح المبادرات الفردية في هذا المجال. كما لا يستبعد أن تقتنع الحكومة الصينية بدعم هذا العمل و توفير التشجيع اللازم له، بما في ذلك سن القوانين الملائمة.

و اليوم و مع ازدياد الأثرياء العرب و انفتاحهم على العالم فمن المهم الالتفات إلى هذا الجانب الهام ليساهموا في الحد من الفقر و مساعدة دور الحكومة في مجالات حيوية مثل التعليم و الخدمات الصحية. كما من واجب الحكومات الالتفات إلى هذا النشاط و دعمه بكافة الوسائل.

[email protected]