في بداية هذه السنة، و للمرة الثانية على التوالي، أجد نفسي مضطرا لتقديم تنبؤاتي لقراء إيلاف عن الوضع الاقتصادي العالمي و بالمنطقة العربية. في بداية السنة الماضية كان عنوان مقالي quot;2009 سنة الركود و الانتعاش الاقتصاديquot; حيث ذكرت أهم الأسباب التي سوف تمكن من التغلب على انكماش النشاط الاقتصادي و العودة إلى النمو قبل نهاية السنة (و هو ما حصل فعلا). في بداية هذه السنة عنونت مقالي: quot;2010 سنة النمو الاقتصادي فوق المتوقع.quot; و يبدو هذا في متناول اليد حاليا، إذ أعلن وزراء مالية مجموعة العشرين، خلال لقائهم الأخير بتاريخ 5 يونيو الحالي، بان النمو الاقتصادي يبدو فوق ما كان متوقعا في السابق. و تتفق هذه النظرة مع مراجعات صندوق النقد الدولي التي تقدر النمو الأمريكي المتوقع لهذه السنة بــ 3،1% مقارنة بنسبة 2،5% التي كانت متوقعة سابقا. كما عرف الإنتاج الصناعي في منطقة اليورو نموا قياسيا خلال شهر ابريل الماضي يقارب 9،5% سنويا.

على هذا الأساس، من المتوقع أن يبلغ النمو الاقتصادي العالمي نسبة 4،2% هذه السنة، بما في ذلك نسبة نمو 6،3% في مجموعة الاقتصاديات الصاعدة و النامية، مع نسبة نمو 10% في الصين و 8،8% في الهند و 5،5% في البرازيل. و لن يستثني هذا النمو منطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا ( نسبة نمو متوقعة بحدود 5،4 %) و إفريقيا جنوب الصحراء (نسبة نمو متوقعة 4،7%).

يلعب النمو الاقتصادي الأمريكي الحالي دورا أساسيا في نمو الاقتصاد العالمي بحكم أهمية الطلب الأمريكي على صادرات مختلف دول العالم. و من المرجح أن يتواصل هذا النمو بحكم ما أعلن عنه محافظ الاحتياطي الفدرالي ( المصرف المركزي) الأمريكي من انه سوف يحافظ على سياسة أسعار الفائدة المنخفضة للفترة القادمة، و لا تتوقع الأسواق حاليا أن تبلغ أسعار الفائدة فيما بين البنوك الأمريكية نسبة 0،75% إلا في يوليو 2011 (مقارنة بأقل من 0،25% حاليا).

في المقابل، مازالت هناك عوامل تجعل من عودة الركود أمرا ممكنا، من أهمها:

1.في أمريكا: مازالت البطالة مرتفعة، مما يحد من الطلب العام على السلع و الخدمات، و من ثم الإنتاج و التوسع في الاستثمار. كما أن القطاع المالي مازال يشكو من أوجه الخلل الذي ادت إلى الأزمة المالية السابقة.

2.في أوروبا: من المحتمل جدا أن تنتقل عدوى الأزمة اليونانية إلى دول مثل اسبانيا و البرتغال، مما يتطلب إعادة هيكلة الديون الخارجية لهذه الدول، و يتطلب أيضا القيام بإصلاح نظم الموازنات الحكومية و ترشيد الإنفاق العام، و مراجعة آليات أسواق العمل و صناديق التقاعد، على وجه الخصوص.


3.في الصين: بالرغم من النمو القياسي الحالي، توجد مخاطر انفجار فقاعة قطاع العقارات، حيث زادت الأسعار بصفة كبيرة خلال الأشهر الأخيرة. كما أن القطاع المصرفي المحلي تهيمن عليه بيروقراطية الدولة و تنقصه الجدوى.

بالرغم من وجود عناصر لاحتمال زيادة النمو الاقتصادي بالتوازي مع مؤشرات قوية أخرى لاحتمال عودة الركود، إلا أنني مازلت أميل شخصيا للاعتقاد بان الحظوظ الأوفر سوف تكون لصالح تعزيز النمو الحالي، خصوصا إذا ما عمل المجتمع الدولي على مزيد من التنسيق بين السياسات المتبعة في مختلف الدول، و الذي من شانه أن يزيد من نسبة النمو الاقتصادي العالمي بحوالي 2،5% سنويا، حسب الورقة التي قدمها صندوق النقد الدولي في اجتماع مجموعة العشرين الأخير.

كاتب المقال محلل إيلاف الاقتصادي و خبير سابق بصندوق النقد الدولي
[email protected]