يمكن تلخيص الرأي العام حول سوء الحالة الاقتصادية المتردية في الدول العربية بان هذا التردي ناتج عن التفريط في مؤسسات القطاع الحكومي والتحرير المفرط للاقتصاد بما في ذلك الانفتاح السريع على المنافسة الخارجية، بالتوازي مع قلة التدخل للضغط على الأسعار.
يتجاهل مثل هذا التصور الواقع التاريخي للاقتصاديات النامية، إذ ثبت بصفة واضحة فشل تدخل الحكومة مقابل النجاح الكبير للدول التي راهنت على الاندماج في الأسواق العالمية، مثلما هو شان النمور الآسيوية. و الاسوء إن مثل هذا الانطباع العام يبالغ كثيرا في مدى الحرية الاقتصادية المتوفرة حاليا في الدول العربية.
أكدت نتائج مؤشر الحرية الاقتصادية الذي تنشره مؤسسة quot;هيريتاجquot; مع quot;وول سترييت جورنالquot; أن الدول العربية النفطية هي الوحيدة التي يمكن تصنيفها ضمن الخمسين دولة الأولى في هذا المجال، من مجموع 179 دولة (البحرين في المرتبة 13، قطر (39 ) و الإمارات (46)). وجاءت الأردن في المرتبة 52، تليها السعودية (65) فلبنان (89) فالمغرب (91) فمصر (94) فتونس (95). و هذا الترتيب للدول العربية غير النفطية الرئيسية لا يتناسب إطلاقا مع ما حققته دول نامية أخرى مثل تشيلي التي جاءت في المرتبة 10.
يدحض هذا الترتيب السيئ للدول العربية غير النفطية الرأي الشائع بان هذه الدول قد حررت اقتصادياتها بصفة غير مدروسة تحت ضغط صندوق النقد الدولي و فئة رجال الأعمال المستفيدين من سياسات الخصخصة لان الحقيقة هي عكس ذلك تماما. المؤسسات الدولية توصي بتحرير الاقتصاد و توفر الدعم الفني لكنه لا يحق لها تنفيذ أي شيء على ارض الواقع. و رجال الأعمال المحليين يستفيدون من الحماية من المنافسة الأجنبية أكثر بكثير من استفادتهم من شراء الشركات المملوكة للحكومة، مما يفسر الفترة الزمنية الطويلة التي استغرقتها عملية الخصخصة في الدول العربية منذ الإعلان عنها في بداية الثمانينات من القرن الماضي، كما يفسر تحالف رجال الأعمال مع الإدارة الحكومية ضد المنافسة ndash;الداخلية و الخارجية- تباطؤ عملية تحرير التجارة الخارجية و الإصلاحات المؤسسية في القطاع المصرفي و التعليم و الخدمات.
و بالرجوع لعناصر مؤشر الحرية الاقتصادية يتبين أن فشل الدول العربية ناتج عن ضعف في quot;حرية الاستثمارquot; حيث حصلت مصر على علامة 50 و تونس على 35 من مجموع 100، مما يعني وجود عراقيل إدارية مازالت تحول دون حرية مزاولة الأعمال. كما يوجد ضعف في حماية الملكية و حرية تصرف المؤسسة في العمالة حسب احتياجاتها، و هذه العراقيل تحتاج إلى إصلاحات مؤسسية تغير قواعد اللعبة من اقتصاد توجهه بيروقراطية الدولة إلى اقتصاد يعتمد على آليات السوق. دون تحقيق هذه الإصلاحات و الاستعداد للتعامل مع السلبيات التي قد تنتج عن ذلك على المدى القصير، سوف يبقى تحرير الاقتصاد العربي سرابا، و تكون المحصلة النهائية ضعف النمو الاقتصادي و زيادة البطالة.
كاتب المقال محلل إيلاف الاقتصادي و خبير سابق بصندوق النقد الدولي
[email protected]