مثل إعلان مجموعتي سعد و القصيبي السعوديتين عجزهما عن سداد ديونهما مفاجأة كبرى للبنوك العاملة في دول الخليج، إذ اثبت هذا الإعلان خطا فرضية أن المجموعات العائلية الكبرى في الدول النفطية لا يمكن أن تعجز عن سداد ديونها، كما اثبت هذا الإعلان خطا الاعتماد على التصنيفات الائتمانية، بدليل أن المجموعتين تمتعتا بتصنيف جيد من طرف شركة quot;ستاندارد اند بورزquot; قبل وقوع الأزمة.
أدى هذا الحدث إلى رفع درجة الحذر لدى البنوك كرد فعل أولي. و قامت البنوك العاملة في الخليج بزيادة المخصصات التي تضعها جانبا لمثل هذه الحالات، طوعية أو تنفيذا لتوجيهات السلطات النقدية. لكن لن يتوقف الأمر عند هذا الحد، و الأرجح أن تقوم البنوك العاملة في دول الخليج بمراجعة طريقتها في التعامل مع الشركات العائلية باعتماد منهجية تقييم جديدة للمخاطر يتم تطبيقها على شركات الأعمال العائلية، كما هو معمول به حاليا مع باقي الشركات الأخرى.

أولا، سوف تقوم فرضية البنوك في المستقبل على مبدأ أن الإقراض للشركات العائلية ينطوي على مخاطر يتوجب تقييمها باعتماد التقنيات المتعارف عليها لدى شركات الخدمات المالية، و في مقدمتها تقنيات معرفة العميل quot;Know Your Customerquot;. حيث يتم جمع البيانات و تحليلها لتحديد قدرة و جاهزية العميل على الالتزام بسداد الدين. و يتم هذا في الولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال، تنفيذا لقانون الأسرار المصرفية (Bank Secrecy Act). و من المهم أن يتم إصدار مثل هذه القوانين في دول الخليج بحيث يكون الالتزام بها محددا بالنسبة للقطاع المصرفي ككل.

ثانيا، يتوجب على البنوك العاملة في دول الخليج مراجعة نظام الحوافز المتوفر حاليا لمدرائها، إذ ثبت أن هؤلاء المديرين قد أفرطوا حتى الماضي القريب في منح القروض بمبالغ ضخمة للشركات العائلية المعروفة، على اعتبار أن العملات التي يتقاضونها تزداد بزيادة قيمة القرض، مما يتناقض مع أسس الأمانة المصرفية.
ثالثا، يتوجب على السلطات الرقابية وضع ضوابط على مدى تمركز القروض لدى البنك، إذ يبدو أن بعض البنوك الخليجية قدمت قروضا بمليارات الدولارات لمجموعة عائلية واحدة، بينما كان من المفروض إن تشترك عدة بنوك في منح مثل هذا المبلغ لتقليل تبعات أي عجز عن السداد إذا ما حصل ذلك.

قد تؤدي الأزمة الحالية أيضا إلى قناعة جديدة لدى الطرفين (شركات عائلية و بنوك) بان لديهما مصلحة مشتركة في تحسين شروط الشفافية و الإدارة الرشيدة. يعني هذا على مستوى الشركات الاعتماد أكثر من قبل على الخبرات من خارج العائلة، بما في ذلك إعطاء استقلالية اكبر للإدارة في اتخاذ القرارات الفنية و العمل على إعادة هيكلة هذه الشركات بحيث تركز الشركة على أنشطة رئيسية و التخلص من الأنشطة الهامشية الأخرى. كما يتم الفصل على مستوى البنوك بين مهام مجلس الإدارة و الإدارة التنفيذية التي تلتزم بمبادئ الإفصاح المتعارف عليها، بحيث لن يكون هناك مجال لمنح القروض بصفة اعتباطية، مما من شانه أن يقلل من المخاطر التي حدثت مؤخرا بسبب مجموعتي سعد و القصيبي في المملكة العربية السعودية.
كاتب المقال محلل إيلاف الاقتصادي و خبير سابق بصندوق النقد الدولي