قد لا تكون الفترة الحالية مناسبة للدعوة إلى تحرير القطاع المالي في الدول العربية، أي إلى انفتاح البنوك على المنافسة الخارجية و توفير البنية التحتية ndash;خصوصا التشريعية- لمساهمة رؤوس الأموال العالمية في أسواق المال ndash; البورصات ndash; العربية. لكن من الخطأ الفادح استعمال الأزمة الحالية كذريعة لمناهضة هذا الانفتاح، كما كان من الخطأ بالنسبة الدول الاسياوية التراجع عن تطوير الصناعات التصديرية و تحرير التجارة الخارجية، اثر أزمة العام 1997.
تؤكد الدراسات المقارنة إن وجود البنوك الأجنبية بصفة فاعلة يساعد على رفع نسبة النمو الاقتصادي السنوي بحوالي 1%، كما أن مضاعفة القروض المصرفية للقطاع الخاص، كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، يرفع نسبة النمو بما يقارب نقطتين مئويتين. و يساعد هذا على مضاعفة معدل دخل الفرد خلال فترة لا تزيد عن عقدين أو ثلاثة عقود، و هي مساهمة هامة لم تحصل في الدول العربية في السابق نتيجة الحمائية الكبيرة للقطاع المالي، الذي يتكون بالأساس من بنوك تابعة للقطاع العام ndash;غير مجدية و غير تنافسية ndash; و بورصات راكدة لا تلعب دورا كبيرا في توفير المصادر المالية ndash; الوطنية و الأجنبية ndash; للشركات. و منم المهم التنويه بان وجود بعض البنوك الخاصة ndash; وطنية أو أجنبية ndash; في هذا الإطار المنغلق لا يساعد كثيرا على تحسين الوضع، و يبقى دورها محدودا بل هامشيا في عملية تمويل التنمية.
مثل القطاع البنكي احد أهم العراقيل أمام تطور المؤسسات الاقتصادية في الدول العربية. سعر الفائدة على القروض البنكية، على سبيل المثال، مرتفع و يبلغ 12،5% في مصر، تليها المغرب (11،5%)، و الأردن (8،7%)، مقارنة بــحوالي 5،5% في بجمهورية التشيك (كمثال عن دولة نامية فتحت قطاعها المصرفي بالكامل على البنوك العالمية) و المملكة المتحدة.
و الاسوا من ذلك عدم قدرة المؤسسات على الحصول على التمويل البنكي بالدرجة الأولى، إذ يأتي ترتيب الدول العربية في هذا المجال في درجة متدنية، و غالبا ما يكون في درجة اقل من ترتيبها في مؤشر مزاولة الاعمال الذي يصدره البنك الدولي، إذ يأتي ترتيب تونس 84 مقابل 73 على التوالي, المغرب (131 مقابل 129) ، و يبقى هذا الترتيب مرتفعا في الأردن (123 مقابل 129) و مصر ( 84 مقابل 114 ) و المملكة العربية السعودية ( 59 في مؤشر التمويل البنكي مقارنة بالترتيب 16 لمؤشر سهولة مزاولة الأعمال).
و الحقيقة إن الخطر الأكبر على العملية التنموية في الدول العربية يتمثل في القنبلة القابلة للانفجار في أية لحظة نتيجة القروض المتعثرة التي تسمم أصول المصارف التجارية، التي تمثل 17،3% في تونس، مصر (16,5%)، و المغرب (7،9%). و قد تكون هذه النسبة بحدود 5% في الأردن و بعض الدول الخليجية، حسب البيانات التي ينشرها صندوق النقد الدولي، لكن الأمر قد يتعلق بعدم دقة البيانات، إذ لا يسمح للبنوك في بعض الدول بالتخلص من الديون المشكوك في تحصيلها، بحيث تبقى في حساباتها مما يزيد من إجمالي القروض، و من ثم تنخفض نسبة الديون المعدومة.
لقد أثبتت التجارب أن معظم الإصلاحات الاقتصادية تأتي من رحم الأزمات، و إذا ما اغتنمت الدول العربية هذه الأزمة بتحرير قطاعها المالي بحيث تتوفر للمؤسسات الوطنية أفضل شروط التمويل المتوفرة في الأسواق العالمية، فسوف ينعكس هذا بالتأكيد على آفاق النمو الاقتصادي طويل الأمد. و بذلك تتحول الأزمة إلى فرصة للإصلاح و التنمية المستدامة.
كاتب المقال محلل إيلاف الاقتصادي و خبير سابق بصندوق النقد الدولي
[email protected]