كما سبق أن أكدت مرارا، الأزمة المالية الحالية هي نتاج ابتكارات علمية هامة في مجال المنتجات المالية وعولمتها. وعلى هذا الأساس فمن الصعب تحديد مصادرها ومعالجتها بالسرعة المطلوبة. على سبيل المثال، مجرد تطبيق السياسات التي تم اعتمادها من طرف إدارة الرئيس إيزنهاور لمعالجة الانهيار الكبير في الثلاثينات من القرن الماضي، هي ببساطة كمحاولة الجنرالات إعادة خوض أخر حروبهم.
نحن إذا في مرحلة تجريبية لا يقين فيها فيما يخص أفضل السبل للخروج من الأزمة المالية الراهنة، وإن كان من المهم أيضا عدم تجاهل التقدم الحاصل خلال العقود الماضية في علم الاقتصاد والدروس التي تم استخلاصها من الأزمات الماضية، من الانهيار الكبير في أمريكا خلال ثلاثينات القرن الماضي إلى عقد التسعينات الذي خسرته اليابان نتيجة فشلها في معالجة آثار انهيار فقاعة القطاع العقاري بالطريقة المطلوبة.
مثلت حالة عدم اليقين هذه التربة الخصبة لتقديم الأفكار الجديدة، وفي ما يلي مقترحات هامة قدمها مؤخرا أشهر رجال الأعمال والاقتصاديين.
جورج سوروس: إنشاء حساب خاص لدى البنوك تضع فيه أصولها المسمومة
بناء على تجربة جورج سوروس الثرية في مجال صناديق التحوط (Hedge Funds)، اقترح تطبيق قاعدة عمل هذه الصناديق فيما يخص الأصول غير القابلة للتسبيل بإخراجها من الحساب المالي للمؤسسة ووضعها في حساب جانبي مستقل (Side Pocket). ويرى سوروس أن تطبيق البنوك لهذا الحل هو مقترح أفضل من مقترح البنك السيئ (Bad Bank)، الذي يتطلب تقييم الأصول المسمومة (المشكوك في تحصيلها) لدى المصارف قبل شرائها ووضعها في هذا البنك، وهي عملية صعبة وإن كانت تجربتها بنجاح في بداية التسعينات من القرن الماضي في السويد تؤكد أنها ليست مستحيلة. يقترح سوروس قيام كل بنك بتحديد أصوله المشكوك في تحصيلها ووضعها في هذا الحساب الجانبي مقابل احتياطي رأس مال معين، مما يعني انخفاض ملاءة رأس المال البنوك. ولمواجهة هذا الوضع، يقترح سوروس تخصيص مبلغ التريليون دولار التي تقترح بعض الأوساط في أمريكا تخصيصه للبنك السيئ كمساهمة في رفع رأسمال البنوك عوضا عن ذلك.
البروفيسور ريكاردو كاباليرو: شراء الحكومة أسهم البنوك بضعف سعرها الحالي
يقترح عميد كلية الاقتصاد بمعهد ماساشيوتس للتكنولوجيا التزام الحكومة الأمريكية بشراء ضعف أسهم البنوك المعروضة حاليا للبيع وبضعف أسعارها الحالية المتدنية. ويرى البروفيسور كاباليرو أن عملية الشراء هذه سوف تخلق ديناميكية جديدة في السوق مما يساعد البنوك المتعثرة على الحصول على رؤوس أموال من القطاع الخاص في فترة لاحقة. ومن مزايا هذا المقترح انه لا يكلف دافع الضرائب أي شيء يذكر إذ ان بيع هذه الأسهم بعد حوالي 5 سنوات سوف يكون على الأرجح بأسعار أعلى.
كذلك يقترح البروفيسور كاباليرو خفض متطلبات ملاءة رأس المال (الحد الأدنى المسموح به لرأس مال البنك كنسبة من مجموع الأصول) كإجراء وقتي تتطلبه حالة الفزع الراهنة. ويمكن تعويض الدور التقليدي لمتطلبات ملاءة رأس المال (الاستعداد للمخاطر والصدمات غير المتوقعة) بضمان الحكومة للودائع المصرفية ورقابة أكثر حزما على المؤسسات المالية.
كما تم تقديم أفكارا أخرى أكثر راديكالية تدعو إلى إفلاس المؤسسات المالية التي فشلت في امتحان السوق وإنشاء بنوك جديدة عوضا عنها، وهي أفكار سوف نعرض لها في مقال قادم.