مصطفى الغزاوي

تضوي أفكار الشباب بعد الثورة بإشراقات كثيرة وأسئلة أكثر يلقونها على أنفسهم بعد اثني عشر شهرا من الثورة تجمع بين الأمل واليأس وكأن انفراجا قد بدأ يصيب اليأس والاكتئاب الذي أصاب جموع الشعب والشباب معاً بعد مرور أيام من تنحي حسني مبارك.
مزج الشباب بين الحلم والواقعية وأدرك أن الأفكار مهما كانت صعبة التحقيق وتبدو مستحيلة، تحتاج إلى جهد البناء كما هي تحتاج إلى زخم الدعم الشعبي.
ويؤكد الشباب بعداً جديداً استقر في يقينه ووجدانه أن الزعامة المطلقة كما السلطة المطلقة مفسدة مطلقة وأن العمل الجماعي يحتاج قيادة جماعية ولا يحتاج إلى القائد الفرد الأسطورة.
ويقرر الشباب في أمر الثورة معادلة اقتصاد القوة ورغم تعدد التجمعات، ورغم أن الوقت ينظم حالة الحضور والانصراف والاعتصام إلا أن هذا التعدد وتأثير الوقت المتاح أمامهم، أدخل معادلة اقتصاد القوة وتوجيهها في عملهم فاستقرت واحدة من سمات الأداء.
قبل الشباب بالتنوع السياسي فيما بينه وخاض البعض منه تجربة الانتخابات البرلمانية وخرج منها بضرورة التنسيق بين أطياف الشباب وهي معادلة لبناء وحدة أداء وليس وحدة التنظيم.
واكتشف إمكانية وحدة الأداء عند وضوح الهدف والمهام الواجبة لتحقيقه وتجنب البحث عن وحدة التنظيم التي مآلها إلى انقسامات أكثر وزمن يضيع من بين أيديهم.
كشفت الحوارات مع الشباب أن منهجا جديداً يحكم التفكير وأنه أقرب إلى منهج إدارة الأزمات وما يؤكد استيعابهم لهذا المنهج هو القدرة على اكتشاف quot;الفرص المتاحة داخل الأزماتquot; والإمساك بها حتى وإن كان الأمل في تحقيق نجاح فيها يبدو في البدايات ضئيلاً ولكنهم وبإصرار يسعون إلى تنظيمه.
وتخلص الشباب من مجرد الجدل العقيم حول الأفكار التي تطرح عليه وأصبحت هناك موجة لمستخدم مشرط الجراح في تناول الأفكار المثيرة للجدل فاقترب من الواقع أكثر.
وأعاد البعض من الشباب توجيه اهتمامه العملي فهو يخرج عن مسار دراسات تكميلية تعتبر استطرادا لدراساته الجامعية إلى آفاق جديدة في الدراسات الإدارية والاجتماعية أي أنه بعد تأهيل ذاته لمهام قادمة تحتاج إلى جيل جديد بتدريبات جديدة ومتنوعة غابت عنه في البدايات ولكنها ضرورة للاستمرار في تحمل مسؤولية المستقبل.
كانت أولى موجات الفتنة التي أصابت ثورة يناير 2011 هي محاولة خلق صدام بين الشباب والشعب والفصل التعسفي بين الأجيال وأحال الشباب هذا الأمر إلى معيار للقياس هو مدى خدمة الأفكار والمناهج لمطالب التغيير ومهامها.
ولم تعد هناك قاعدة quot;لن أعيش في جلباب أبيquot; ولكن ماذا يملك الآباء لغدنا وليس ما الذي قدموه من قبل وأوصلنا إلى ضرورة دفع الدم للتخلص منه وبدأ حركة التغيير. هذا التغير في التعامل مع الأجيال السابقة جعلهم قادرين على فرز الرؤى والآراء ومكنهم من الاستفادة من خبرات إيجابية موجودة داخل المجتمع بل بلغ الأمر بهم أن يحددوا ما الأسئلة التي يريدون إجابات عنها.
ووسط ضجيج بورصة أوراق التصويت في الانتخابات البرلمانية والنسب الساحقة لهذا أو لذاك تمكن الشباب من رؤية وتحديد القوى المؤثرة في المجتمع.
ورغم الصدامات المتكررة مع المجلس العسكري والقوة التي يملكها والقرارات التي يتخذها إلا أنه انتقل من مرحلة الهتاف ضده إلى مرحلة دراسة إمكانية الحركة والتغيير مع التوصيف الدقيق لموقفه.
وأدرك الشباب بأنه لا يملك إمكانية وقف آلة القتل ولكنه يملك إمكانية استمرار القبول بدفع الثمن من دماء الشهداء. أي أن الشباب أدرك أن هناك مستقبلاً يريده وأن الطريق إليه عبر صراع متصل وهذا الصراع بالكلمة والدعوة والعمل والشهادة يمكن أن يستعيد التوازن بين أطراف الصراع ويفتح أمام التغيير آفاقاً واسعة للتحقق.
واتخذ الشباب موقفاً من نتائج الانتخابات هو ذاته موقف العامة من الجماهير التي تقول بأننا جربنا الجميع فما هي الخشية من تجربة الآخرين. الشعب يقول بهذا لأنه لم يجد توازناً موضوعياً يخترق وعيه ويوجه اختياره وبغريزة البقاء والدوام لدى الشعوب التي تبنى قدرتها على الاستمرار في الحياة قبل بمخاطرة القبول بما هو مطروح عليه قاعدة quot;التجربة والخطأquot; ولكن باتساع الزمن والكتل الشعبية رغم كل المحاذير التي أطلقت حول الجديد القادم ولكن لكونها فقط محاذير وليست بديلاً موضوعياً جرى الحشد من حوله لم تؤثر على الوعي في عمق الريف والمدينة وصارت الطوابير المحتشدة تعبر عن اختيار يبدو للعقلاء أن الشعب يضع أصبعه في عينه.
ولكن اختيار الشباب لذات الموقف هو رغبة لعدم خوض المعارك في غير توقيتها وهي رغبة في الوصول إلى عمق تكوين هذا القادم وتصنيفه الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وهي في الوقت ذاته تعبير عن مبدأ في الصراع بعدم خوض معارك لم يأت حينها بعد بينما الزمن كفيل بتغيير ميزان القوى داخل الصراع ولكن الزمن وحده غير كاف بل هو احتياج لضرورة بناء علمي لقوى التغيير في المجتمع.
والشباب بذلك يحاول الانتقال بالصراع من مرحلة الصدام والدم واحتمالات الحرب الأهلية إلى مرحلة توازن القوى في المجتمع وهي مهمة كل الأزمنة وهي السبيل الوحيد لتجنب الديكتاتورية أو الصراع الدموي في مواجهتها. والعظيم في هذا الاختيار أن الشباب بتنوعه لم يسقط الاستعداد لتقديم الشهداء.. معادلة صعبة ولكن الشباب يأخذ بها وهي دلالة اتساع الأفق في رؤية الصراع وإدخال المعامل الزمني فيه وليس الانزلاق إلى اللحظة وأحداثها.
وبهذه الخيارات أعمل الشباب قوانين التغيير العلمية دون أن يعلن عنها وتكاملت آراؤه وأفكاره وأداءاته لتؤكد أن الأسلوب العلمي للتفكير قد وجد لنفسه مكانا بين الشباب.
أدرك الشباب أن الجديد ينبع من القديم وإعادة توصيف تنوع الأجيال داخل القوى المطالبة بالتغيير من حالة الصراع إلى حالة الاستنباط والتكامل.
وأدرك الشباب قانون صراع الأضداد والمتناقضات بين الأطراف وفي داخل كل طرف على حدة فطرح أفكاره ورؤاه حتى وإن كانت في مراحل الشعارات وأصر عليها وقبل دفع ثمن الدم لها ففرضها على المجتمع وأحاطها بالاستعداد للشهادة ففرض استمرار حضورها وصارت تعمل أثرها بين الأطراف وداخل كل طرف منها وصار الجدل إيجابيا وليس سلبياً.
وأقام الشباب معادلة ترابط عناصر الحياة وربط بين كل ما هو مطروح عليه في منظومة تحاول صياغة ذاتها وأن كل العناصر المكونة للحياة في داخل الوطن هي حلقات في سلسلة تمثل قوام القوة والضعف داخل المجتمع وإن اختلفت القوة بين حلقات هذه السلسلة انقطعت وفقدت قدرتها على خلق الاستقرار الإيجابي داخل المجتمع وفتحت الباب أمام أسباب جديدة لتجدد الصراع.
واختيارات الشباب تؤكد قدرة ذاتية على إدراك دلالة التراكمات الكمية والتغيرات الكيفية وهذه المعادلة هي واحدة من قواعد الأسلوب العلمي للتفكير وإعمال معادلات التفكير العلمي في قضية التغيير وهي منهج ضروري للانتقال من حالة العشوائية إلى حالة الأداء المنتج.
وهذه القياسات لعناصر الأسلوب العلمي للتفكير ليست محاولة إلباس أداء الشباب وأفكاره قسرا صفة العلمية وليس الارتجال ولكنها عناصر تقيم ما وصل إليه عبر تجربة العام المنصرم.
إن اتجاه الشباب من مرحلة التوصيف والنقد ومجرد التظاهر والاعتصام إلى مرحلة جديدة يسعى فيها إلى الوجود في أداءات المجتمع والدولة ومكوناتها هو دلالة صحة وبدايات عملية لعملية التغيير بالوجود والحوار والمشاركة قد تبدو أنها تجريبية وفي البدايات ولكنها منهج جديد يضيف إلى نداءات المطالب باتجاهات حركة لا تكتفي بمجرد المطالبة.
نعم هو مشوار طويل ولكنها بديات صحيحة وفي اتجاه صحيح لم يسقط من يده أي من عناصر القوة التي يمتلكها.
quot;سمرquot; هي مهندسة شابة أضيفها هي ومجموعة العمل من مهندسين ومهندسات شباب أضيفها إلى quot;بائعة الذهبquot; quot;وابنة أبيهاquot; اللاتي كن في حلبة المواجهة في يناير 2011 وهي كانت معهم هناك ومازالوا جميعا مرتبطين بميدان التحرير الرمز والفكرة ولكن تفكيرها هو الشاهد على كل هذه الملاحظات حول خيارات الشباب.
مجموعة عمل من المهندسين الشباب هي قوة المهمة الرئيسية لإدارة عملية انتخابات نقابة المهندسين تداعوا أفراداً للمشاركة التطوعية في إدارة الانتخابات وأعلنوا أن الأداء التطوعي لا يمكن أن يقبل مقابلا ماديا لجهده ويعلنون في النهاية أنهم جميعاً خلقت التجربة داخلهم إحساس الأسرة.
يحاورون كل من يمر بهم دون عرض الذات أو الجدل العقيم. يدركون حجم الفساد ويسعون إلى تغييره ولا يشيرون بأصبع الاتهام إلى أشخاص ولكنهم يقومون بتحليل النظم التي أدت إلى هذا. لا يشايعون طرفا دون طرف آخر بل إن صدمتهم قد تساوت فيها كل الأطراف إذا بعدت عن الموضوع وكان الحديث عن الذات.
سمر. سلمى. منال. سارة. سارة quot; أم عليquot;. جوزيف. أمير. محمود. ياسمين. ياسين. كريم. إسلام. ماريان. رمضان ومصطفى. أسماء جميعهم إشراقات عقل وعلم وأداء وانتماء تؤكد أن الشباب قادر إذا ما وجد بيئة عمل صالحة بل ويستطيع الإدارة إذا وجد الفرصة. ونجحوا في جذب الانتباه للمحيطين بهم وباتساع الوطن كله في مهمة واحدة وبلغ الأمر أن الشباب في كافة المحافظات كان على ذات درجة الانتماء والحركة والأداء الإبداعي. كانوا صادقين صدقا يتجاوز الصدأ الذي أصاب العديد من الأجيال الماضية.
وهكذا مصر تجدد شبابها بهذه الدماء الجديدة.
أحسست بالأبوة لهم. أزحتها جانبا في الوجدان وأطلقت مفهوم quot;الزمالةquot; صفة الجمع بين زملاء مهمة على ذات القدر من المسؤولية وبالتالي من سلطة القرار وأيضا من نصيب في أسباب النجاح.
كلنا شركاء مسؤولية وجلباب الأب قد يكون حنونا أو صارما. ولكن توصيف quot; الرفاق quot; وquot; الزملاء quot; في منظومة العمل هو مصدر الندية والقوة لجماعية العمل.
وجمعتنا جميعا مسيرة لتكريم شهداء المهندسين، فأحسست بعودة الروح وكل من كانوا يوما قيادات للمظاهرات في زمن الستينيات والسبعينيات ذابوا داخل مسيرة الشباب.
يتجاوز الشباب توصيف النجاح والفشل والنصر والهزيمة في قاموس اللغة ويتحدثون عن تراكم الإنجاز عبر المراحل وأنه السبيل للبناء شرط أن يكون الهدف واضحا وأن تكون الإستراتيجية واضحة وأن يكون المجتمع وعاء التراكم ليس مثقوبا بفعل quot;الأناquot;.
نتائج أولية لثلاثة أشهر مضت تشوهت فيها علاقات كانت ممتدة عبر 45 عاما لأن quot;الأناquot; تعاظمت داخل هذه العلاقات وفقدت الموضوعية مكانها بإطلاق رصاصات كاذبة في غير اتجاهها ولكن الموضوع quot;البناءquot; اكتسب زخم الشباب الصادق ليمتد بأعمارهم ومستقبلهم الذي يصنعونه على أعينهم العمر بي وأشعر أن الخلود قد أصابني بأن للوطن جنودا للمستقبل.