محمد السمّاك

ماذا يعني فرض حظر على استيراد النفط الإيراني؟
وماذا يعني ردّ إيران بالتهديد بإغلاق مضيق هرمز الذي يمر عبره معظم النفط العربي المصدَّر الى العالم؟
تحاول الولايات المتحدة تخفيف الاعتماد على نفط الخليج العربي من خلال زيادة استيرادها من النفط الكندي. فيما تحاول المجموعة الأوروبية زيادة استيرادها من النفط والغاز الروسيين. أما بالنسبة لكل من الصين واليابان، فان البدائل تكاد تكون محصورة بالمصادر الأندونيسية والافريقية. وهي لا تسمن ولا تغني من جوع اقتصاد كل منهما المتعطش الى المزيد من الطاقة.
يشكل نفط الخليج العربي 16 بالمئة من حجم المستوردات الأميركية. أما المصادر الاخرى التي تعتمد عليها الولايات المتحدة، فهي المكسيك ( 11 بالمئة) وفنزويلا (9 بالمئة). وتأتي كندا في المقدمة، إذ تبلغ نسبة المستوردات منها 25 بالمئة. الا ان معظم النفط الكندي مستخرج من الرمال النفطية المضغوطة، ويضخ الى الولايات المتحدة عبر الأنابيب. وهناك مشروع لتوسيع طاقة هذه الأنابيب لاستيراد المزيد من النفط الكندي، وتالياَ لتخفيض أكثر من الاعتماد على نفط الشرق الأوسط وشمال افريقيا.
تنتج الولايات المتحدة، استناداً الى أرقامها الرسمية (40 بالمئة) من استهلاكها من النفط. وتستورد الباقي (60 بالمئة حسب احصاءات 2005). الا ان هذه النسبة انخفضت الآن الى 46 بالمئة فقط. ومنذ عام 2008 ارتفع الانتاج المحلي الأميركي بنسبة 18 بالمئة. وكان مصدر هذه الزيادة خليج المكسيك.
الا انه بعد الكارثة التي حلت بمحطة الضخ وأدت الى تلوث واسع النطاق، أدى الى تعرض شركة quot;بريتش بتروليومquot; المالكة للمحطة الى الإفلاس، تجمدت مشاريع الحفر في البحار بحثاً عن مزيد من الآبار.
أما المصدر الأساسي الآخر فهو النفط المضغوط المستخرج من الرمال. ففي عام 2000، كان حجم الانتاج من هذا النفط لا يزيد على 3 بالمئة من مجموع الانتاج (أي حوالي 200 ألف برميل). أما الآن فقد ارتفع الى مليون برميل يومياً. ومن المنتظر أن يواصل ارتفاعه ليصل في نهاية العقد الحالي الى ثلاثة ملايين برميل يومياً، اي الى ما يعادل نصف الاستهلاك المحلي تقريباً.
ولكن اذا كان التنقيب عن النفط واستخراجه في البحار يحمل أخطار التلوث الخطيرة، فان الأخطار البيئية المترتبة عن استخراج النفط المضغوط لا تقل خطراً. الا ان الحاجة تتجاوز - او تتجاهل- هذه المخاطر. فقد بلغ الانتاج من النفط المضغوط ما يعادل 34 بالمئة من معدل الانتاج العام من النفط والغاز في الولايات المتحدة. ومعظم هذه الثروة (من هذا النوع من النفط) تأتي من ولاية داكوتا الشمالية. أما النفط الطبيعي فانه يستخرج من الآبار الموجودة في كاليفورنيا وتكساس والاسكا. وهناك تصارع روسي أميركي حول الثروة الضخمة جداً من النفط والغاز والتي ثبت وجودها في أعماق القطب الشمالي. فبعد انحسار المد الثلجي نتيجة لارتفاع حرارة الأرض، تمكن العلماء من تأكيد وجود هذه الثروة من الطاقة التي تدعي كل من موسكو وواشنطن ان لها حقاً حصرياً في استثمارها. ولا شك في انه كلما تضاءل حجم المخزون الطبيعي الأميركي، يشتد الإصرار على حق الاستثمار في المياه القطبية الشمالية، الأمر الذي يشكل بؤرة جديدة من بؤر الصراع المستقبلي مع روسيا.
ويؤكد الرئيس باراك أوباما أو لعله يأمل- في أن تتمكن الولايات المتحدة من تحقيق استقلالها في الطاقة (النفط والغاز). وهو هدف كان أول من تحدث عنه الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون، وردده من بعده الرؤساء المتعاقبون، ولكن دون جدوى.
ومع ذلك لا بد من الإقرار بأن انتاج النفط المضغوط خفض من قيمة الفاتورة النفطية للواردات الأميركية من العالم وخاصة من الخليج العربي.
لقد خاضت الولايات المتحدة حرباً ضد العراق من أجل هدف غير معلن وهو السيطرة على ثروته الضخمة من النفط. وخاضت حرباً ثانية في ليبيا ضد نظام القذافي (تحت مظلة حلف شمال الأطلسي) من أجل هذا الهدف غير المعلن ذاته. ومع ذلك فان النفط الكندي المضغوط والمصدر الى الولايات المتحدة، يضاهي في حجمه (وليس في جودته) الانتاج الليبي في عهد القذافي. وتأمل الولايات المتحدة بالتعاون مع كندا من رفع حجم الانتاج الى ثلاثة أضعاف خلال عقد واحد. ومن هنا أهمية مشروع توسيع القدرة الاستيعابية لخط الأنابيب الكندي الأميركي.
ولكن فيما تركز واشنطن اهتمامها على النفط الكندي المضغوط، فان لكندا حسابات أخرى. فهي تتطلع الى تنويع اسواقها الاستهلاكية بدلاً من الاعتماد كلياً أو بصورة رئيسة على السوق الأميركي.
فالصين البعيدة جداً والتي تقع في الطرف الآخر من المحيط الهادي تبدي رغبة في شراء النفط الكندي. وهناك مخطط لنقل النفط الرملي الخام الى مرفأ مدينة فانكوفر علّ المحيط لتشحن من هناك الى الصين حيث تجري عملية استخراج النفط منها. ولقد أنفقت الصين حتى الآن بالمشاركة مع الحكومة الكندية مبلغ عشرة مليارات دولار من أجل تنفيذ هذا المشروع.
وهناك مصدر آخر تعتمد عليه الصين في المستقبل وهو نفط دول آسيا الوسطى -وخاصة من كازاخستان- والذي يضخ اليها عبر الأنابيب، ما يقلل ولو نسبياً- من حجم الاعتماد الصيني على النفط الإيراني والذي يشكل في الوقت الحالي أحد أهم مصادر الطاقة لديها.
أما المشكلة في اوروبا فانها اقل تعقيداً. فالنفط والغاز الروسيين يتدفقان بغزارة الى دول الاتحاد، جنوباً عبر تركيا، وشمالاً عبر بحر البلطيق. إلا أن هذا المصدر الروسي ليس بالضرورة أكثر استقراراً بالمنظور السياسي الأوروبي من المصدر العربي، سواء كان هذا المصدر الخليج العربي أو شمال افريقيا (الجزائر وليبيا).
وتشير هذه الدلائل الى أن فرض حظر على النفط الإيراني لن يلحق بالاقتصاديات العالمية ضرراً يذكر. وحتى لو أغلق مضيق هرمز بعمل عسكري إيراني، فان البدائل الأخرى للطاقة متوافرة بانتظار إعادة فتحه، حتى ولو استغرق ذلك عدة أسابيع.
فالعالم يعلّم نفسه كيف يتعامل مع الأزمات حتى مع تلك الأزمات التي تتعلق بالشريان الحيوي لآلته الاقتصادية