أسماء المحمد

هل من جديد في التهديدات الإيرانية الأخيرة بإغلاق مضيق هرمز؟ في الواقع يبدو الأمر وكأنه إعادة متواصلة لفيلم إثارة رديء، فخلال الخمسة الأعوام الأخيرة لم يكد يمر شهر من دون تهديد إيراني استفزازي تارة بغلق المضيق وتارة أخرى بضرب مصافي النفط في الخليج العربي وأحياناً بشن هجمات انتحارية حول العالم. وفي كل مرة تثير هذه التصريحات نفس الضجة من التحليلات الأمنية والسياسية التي تحذر من مواجهة وشيكة قد تتطور إلى حرب عالمية ثالثة، وفي كل مرة أيضا كان الأمر ينتهي فجأة وبهدوء من دون حرب ولا مواجهة. ليس من الحكمة تجاهل التهديدات الإيرانية وليس من الحكمة أيضاً المبالغة في تقديرها، فهناك أطراف من بينها النظام الإيراني نفسه وأمريكا تستفيد من استمرار حالة الخوف في المنطقة.
الضرر الذي سيحدثه إغلاق المضيق على إيران يتجاوز ضرره على الدول التي تقصدها إيران بهذا التهديد. فبإمكان المملكة مثلا أن تنقل ما يزيد على 5 ملايين برميل من النفط الخام يوميا براً من المنطقة الشرقية إلى البحر الأحمر لتصديرها عن طريق ينبع وبإمكانها أيضاً الاستفادة من الخط الخاص بتصدير نفط العراق عبر البحر الأحمر والذي تم إنشاؤه أثناء الحرب العراقية الإيرانية وتمتلكه المملكة. في نفس الوقت، فإن إغلاق المضيق سيصيب الاقتصاد الإيراني بالشلل التام إذ أنه سيقطع كل صادرات النفط الإيرانية والتي تقدر بأكثر من نصف الإنتاج النفطي الإيراني كما أنه سيسبب نقصا في وفرة المواد النفطية المكررة والتي تستورد إيران جزءا منها وسيقلص وارداتها التجارية والعسكرية الكبيرة من الصين. والصين نفسها ستكون أحد أشد الدول تضرراً من إغلاق المضيق لاعتمادها الكبير على الصادرات النفطية من المنطقة وبالتالي فإن إيران تغامر بخسارة أحد أصدقائها القلائل حول العالم.
هناك أنظمة تستمد شرعيتها من خلال الترويج لفكرة المؤامرة الخارجية التي تستهدفها وهذا ما تفعله إيران التي تبدو تصريحاتها كحاوي السيرك الذي يخرج من قبعته مفاجأة لإبهار الحضور أو إخافتهم. لكن هذا الحاوي قد لا يدرك بأن حيله فقدت بريقها لجمهور الداخل الإيراني والخارج على حد سواء. ففي زمن مضى، مثلت إيران وحلفاؤها في المنطقة النموذج الثوري الوحيد بكل أدبياته التي تدغدغ عاطفة الجمهور. لكن هذا النموذج أضحى laquo;دقة قديمةraquo; مقارنة بالنماذج الثورية التي أفرزها الربيع العربي والتي اكتسبت شعبيتها من صراعها مع الداخل الظالم وليس مع مؤامرات الخارج. في شهر مارس القادم تشهد إيران انتخاباتها البرلمانية وهي المناسبة التي قد يتجدد فيها الصراع بين الإصلاحيين والتيار المتشدد كما حصل في ثورة 2009 الخضراء. وقد تكون أيضاً مسرحاً لصراع آخر بين الرئيس نجاد والمرشد الأعلى خامئني. والرهان على الأزمة الخارجية لتجنب ثورة الداخل قد يكون رهاناً خاطئاً هذه المرة.