يوسف البنخليل

لسنوات طويلة كانت الولايات المتحدة تتعامل بحذر مع التيارات الإسلامية المختلفة في العالم العربي انطلاقاً من وجود أجندة معادية لدى هذه التيارات تجاه واشنطن، وهو ما يتطلب احتواء هذه التيارات وجماعاتها ومتابعة أنشطتها باستمرار. وكان هذا الاتجاه سائداً لعقود طويلة قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ولكن بسبب هذه الأحداث -رغم تعقيد تفاصيلها- تغيّر الوضع إلى مواجهة التيارات الإسلامية من كابول إلى الرباط في ظل سيادة شعور أمريكي أن هذه الجماعات -وخصوصاً تنظيم القاعدة- يسعى لمواجهة مع الولايات المتحدة. قبل عدة سنوات ظهر اتجاه آخر في الولايات المتحدة تقوده مراكز الأبحاث الأمريكية وعدد من مؤسسات المجتمع المدني يرى خلاف ذلك، ويرى ضرورة التعاون الأمريكي مع التيارات الإسلامية المعتدلة للحفاظ على المصالح الاستراتيجية لواشنطن نتيجة قناعة أمريكية أن التغيير السياسي سواءً كان راديكالياً أو عبر صناديق الاقتراع لن يؤدي إلا إلى هيمنة الإسلاميين على الحكم في البلدان العربية. وهو ما كان واضحاً عندما دبت رياح التغيير في المنطقة من خلال الربيع العربي. لذلك نجد اليوم اهتماماً لافتاً من قبل الإدارة الأمريكية لبناء جسور التعاون والثقة مع التيارات الإسلامية الصاعدة في بلدان الربيع العربي، والأولوية في هذه العملية هو ضمان أمن إسرائيل باعتبارها من المصالح الاستراتيجية الأمريكية، لذلك أجريت الاتفاقات مع إخوان وسلفيي مصر بعدم المساس باتفاقيات السلام المصرية ـ الإسرائيلية. وبدأت الإدارة الأمريكية اتخاذ سلسلة من الإجراءات والخطوات لتوثيق علاقاتها مع القوى الإسلامية الصاعدة. ولذلك يطلق على صعود الإسلاميين في العالم العربي حالياً بأنها صحوة إسلامية جديدة تشهدها المنطقة. السؤال المطروح هنا؛ ما موقف الإدارة الأمريكية من التيارات الإسلامية التي مازالت نافذة في الأنظمة السياسية الخليجية ومنها البحرين طبعاً؟ وهل من مصلحة واشنطن توثيق علاقاتها مع التيارات الإسلامية الخليجية في ظل احتمالات التغيير على المدين المتوسط والبعيد أو حتى القصير إن كانت هناك معطيات تشير إلى ذلك؟ لن نتحدث كثيراً عن الأوضاع القائمة في بلدان مجلس التعاون الخليجي، لكننا سنتحدث عن موقف واشنطن من الإسلاميين في البحرين على الأقل. الكثير من الوثائق الأمريكية الرسمية منذ بداية العقد الماضي تشير إلى اهتمام واشنطن بتعزيز علاقاتها مع الإسلاميين الشيعة من أصحاب أيديولوجيا ولاية الفقيه، وهو ما يعكس إدراك واشنطن أن من مصلحتها توثيق علاقاتها مع بعض التيارات الإسلامية أيضاً. ومع هذه الحقيقة يبدو أن القراءة الأمريكية للمشهد السياسي البحريني مازالت قاصرة بعض الشيء، فالتيارات الإسلامية الشيعية ليست هي وحدها القوى السياسية النافذة في النظام السياسي في ظل وجود تعاطف كبير من الجمهور المحلي مع الإسلاميين السُنة أيضاً. وبالتالي فإن المساعي الأمريكية لتمكين تيار دون آخر يمكن أن تبوء بالفشل سريعاً كما شاهدنا ذلك في محطات عدة. ولكن الخطر قد يأتي عندما تقوم واشنطن بتعديل استرايتيجتها وتتعامل مع الإسلاميين السُنة الذين لا يبدو أنهم في موقف متعاطف أو مهتم لإقامة علاقة مع واشنطن في سبيل تحقيق أجندتهم المرحلية.