أحمد أميري

يراهن بعض الخصوم الفكريين للأحزاب الدينية على أن وصول هذه الأحزاب إلى الحكم سيعني بداية النهاية لفكر الإسلام السياسي برمته، باعتبار أنها ستغرق في مستنقع المشكلات العربية، والتي لا يمكن الخروج منها بقيم العصور الوسطى وبالخطب الحماسية والشعارات الرنّانة، ومن ثم فإن الشعوب العربية ستسير في طريق الصحوة الحقيقية وتطلّق تلك القيم إلى الأبد، ولن تصدّق بعدها إلا صوت العقل، وستحتضن قيم العصر الحديث.

كما يدعون إلى عدم التطيّر بوصول الإسلاميين إلى الحكم، إذ ستكون للشعوب التي سيحكمها هؤلاء الفرصة لمعرفة الحقيقة المرّة، والتحقق إن كانت هذه الجماعات ستبقى وفيّة لمبادئها التي أعلنت عنها وهي تخطب ودّ الصناديق أم ستتنكّر لها كما يفعل الأزواج، فبينما في فترة الخطوبة يظهر الزوج، أو الزوجة، أرقى ما عنده ليظفر بإعجاب الطرف الآخر، فإن مرحلة الزواج تكشف معدنه إن كان ذهباً أو فالصوه، ويصعب على الطرف الآخر أن يستشف معدنه قبل الدخول، خصوصاً إذا كان بارعاً في التغطية على عيوبه. لابد له أن يجرّبه ليعرفه.

ويرون أنه ما دامت الشعوب العربية لم تجرّب الحكم الإسلامي، فإنها ستظل تحلم باليوم الذي يكون حاكم دولتهم هو نفسه إمام مسجدهم. وما دامت بعض الدول سائرة في هذا الاتجاه، فلنقعد ننتظر ماذا سيحصل لها، أي أن نتخذهم شواهد على الفرضية القائلة بأن الإسلاميين ليسوا مؤهلين للحكم، وبمعنى آخر، سيصبحون شهداء يضحون بحريتهم لينيروا الطريق لبقية الشعوب العربية.

ورغم أن المفكّر الفرنسي غوستاف لوبون يرى أن التجربة تشكّل منهجية فعّالة لتدمير الأوهام، لكنه يرى أن التجارب التي يعيشها جيل ما غير ذات جدوى بالنسبة للجيل اللاحق. ويستخف بالعظات والبراهين التي تستخدم الأحداث التاريخية مضرباً للمثل، لأنها لا تفيد شيئاً. ويقول إن quot;فائدتها الوحيدة تكمن فقط في البرهنة على مدى ضرورة تكرار التجارب من عصر إلى عصر من أجل أن تمارس بعض التأثير وتنجح في زعزعة خطأ راسخ بقوةquot;.

وما بين أيدينا من تجارب فاشلة للإسلاميين في الحكم تدعم وجهة نظر لوبون، فهل خطرت تجربة السودان أو أفغانستان أو غزة في بال الملايين التي صوّتت للإسلاميين ؟ وحتى لو خطرت، فيمكن بسهولة تبرير فشل تلك التجارب أو التبرؤ منها، فتارة الظروف مختلفة، وتارة نحن استفدنا من تجربتهم ولن نكرر الأخطاء التي وقعوا بها، وتارة الغرب هو الذي أجهض تجربتهم المباركة.

ورغم أن التجربة الإيرانية هي أوضح تجربة، وقدّم الإيرانيون ولا يزالون العِبر في فشل الحكم الديني، لكن بحركة يد واحدة استطاع الإسلاميون استبعاد هذه التجربة كأنها لم تكن، فهم ببساطة يقولون إن هذه التجربة لا تعنيهم من قريب أو بعيد، وذلك بسبب الاختلاف المذهبي واختلاف الثقافة القومية، والاختلاف في جزء لا يستهان به من الإرث التاريخي، لذلك فإن هذه التجربة لم تستطع أن توقظ الملايين التي صوّتت للجماعات الدينية.

قد تفيد التجارب التي ستخوضها بعض الشعوب العربية مع حكم الأحزاب الدينية، لكن فشلها لن يضع عربة العرب على سكة الحداثة فوراً، إذ للأسف يجب أن تتكرر التجربة quot;من عصر إلى عصر من أجل أن تمارس بعض التأثير وتنجح في زعزعة خطأ راسخ بقوةquot;.