أحمد عبد الملك


اندلع القتال فجأة في السودان بين الجيش الرسمي وquot;حركة العدل والمساواةquot;، بعد فترة وجيزة من توقيع اتفاق السلام، وأسفر القتال عن مقتل زعيم الحركة (خليل إبراهيم)، مما شكّل ضربة قوية لها، وإن اختلفت الآراء حول مستقبل حركة التمرد المسلح. ففي حين أعلن بعض السودانيين أن الحركات المسلحة في إقليم دارفور في طريقها إلى الزوال بعد مقتل إبراهيم، قال نائب الأمين العام لـquot;حزب المؤتمر الشعبيquot; (المعارض) إن مقتل أحد قادة الحركات المسلحة في الإقليم ليس معناه انتهاء حركته أو انتهاء العنف، بل سوف تحل مشكلة دارفور فقط عندما يتوصل كل الفرقاء إلى حل شامل. وأشار رئيس quot;قوى الإجماع الوطنيquot; (تجمع المعارضة السودانية) إلى أن مقتل قائد لا يعني بأي حال من الأحوال نهاية المطاف، وهو لا يؤثر طالما أن المظالم موجودة والمظلومين أحياء لا يجدون ما يقتاتون به، وأن أزمة دارفور لم تُحل، ولم يصل الناس فيها إلى حل سياسي يحقق التطلعات المنشودة للسكان.

وفي حين أكد مبعوث الجامعة العربية للسودان (صلاح حليمة) أن اختفاء إبراهيم عن المشهد السوداني وابتعاده عن الساحة يصبُّ في خانة الاستقرار والأمن ويجعل بعض القوى والفصائل والتيارات تسارع بالانضمام إلى quot;وثيقة الدوحةquot; التي هي المنفذ الوحيد والملاذ الأخير، خاصة وأن هذه الوثيقة يؤيدها المجتمع الدولي بأكمله... متهماً إبراهيم بتحريض الفصائل على عدم الانضمام إلى quot;وثيقة الدوحةquot;، بدعم من بعض القوى الإقليمية ودول الجوار ممن لا يريدون الاستقرار والأمن للسودان.

ومعلوم أن خليل هو من أطلق شرارة التمرد المسلح في إقليم دافور عام 2003، وقام بإنشاء quot;حركة العدل والمساواةquot; ومأسستها. ويرى قادة الحركة أنهم يعملون من أجل الحرية، وقد قام خليل نفسه بوضع quot;الكتاب الأسودquot; -دستور الحركة- بعد أن شكلَ عام 2000 مع ستة من الكوادر الإسلامية الدارفورية خلية سرية هدفها إصلاح الحركة الإسلامية من الداخل، وبدأوا نشاطهم من مدينة الفاشر. وتشكلت حركة أخرى في كردفان، ثم نشأت خلية أخرى في الخرطوم... وطبقاً لذلك وُلدت quot;حركة العدل والمساواةquot; في هولندا عام 2000. وطالبت في العام التالي (2001) بمحاربة التهميش في السودان، وبعقد مؤتمر جامع تشارك فيه الحركات الجهوية لمعالجة ما أسمته المظالم والمآسي التي ارتكبتها بحق السودان والسودانيين مجموعة صغيرة من الحكام.

وطالبت الحركة بإدخال إصلاحات راديكالية في تركيبة الحكم في السودان، بحيث تأخذ في الاعتبار تنمية متوازنة، وتوفير الخدمات الأساسية لكل السودانيين. كما طالبت بمنح ولايات دارفور حكماً ذاتياً بحيث تحكم كل ولاية نفسها، على غرار الحكم الفيدرالي، مع تداول السلطة بين أقاليم السودان المختلفة، وتقاسم مناصب الرئيس ورئاسة مجلس الوزراء والبرلمان والقضاء والحقائب الوزارية، بحيث تشمل كل أقاليم السودان. كما أكدت على ضرورة اختيار الرئيس على أساس الانتخاب الحر المباشر، وأن المُواطنة تقوم حسب الحقوق والواجبات، دونما تمييز على أساس الدين أو الجنس أو العرق.

وكانت القوات السودانية قد قامت بمهاجمة قرية خليل في محاولة لإخضاع قبيلة quot;الزغاوةquot; التي ينحدر منها.

إن الأوضاع في دارفور تنذر بمواصلة الصدام المسلح بين الفصائل المسلحة من جهة وبين الجيش السوداني من جهة أخرى. كما أن السودان يعاني من موقف دولي مثير، يتمثل في ملاحقة المحكمة الدولية خمسة مسؤولين سودانيين بينهم الرئيس البشير نفسه، إضافة إلى وزير الشؤون الإنسانية السابق أحمد هارون، وزعيم ميليشيا الجنجويد quot;علي كشيبquot;، وذلك في إطار التحقيقات التي قررت المحكمة القيام بها حول موضوع quot;الإبادة الجماعيةquot; التي تقول بعض المنظمات الإنسانية الغربية إن دارفور قد تعرضت لها خلال عامي 2003 و2004، حيث يقال إن تلك العمليات التي تنسب للجيش الرسمي خلفت حوالي 300 ألف قتيل، وتسببت في نزوح حوالي 3 ملايين شخص، حسب تقارير الأمم المتحدة. ومع بداية ديسمبر 2011 طلب مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية في حينه (أوكامبو) إصدار مذكرة توقيف بحق وزير الدفاع السوداني (عبدالرحيم محمد حسين) وذلك بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في إقليم دارفور ذاته.

السودان بعد انفصال الجنوب، لم يهنأ بالسلام والاستقرار، بل تم تبادل الاتهامات بين الشمال والجنوب حول قضية النفط، وذلك بعد شهور قلائل على انفصال الجنوب الذي تم وفق استفتاء دعت فيه quot;الحركة الشعبيةquot; مواطنيها الجنوبيين إلى التصويت لصالح الانفصال. وظل موضوع النفط عائقاً أساسياً بين الشطرين أو الدولتين. كما أن السودان (الشمال) يعاني من حركات التمرد ضد الحكومة في الخرطوم، سواء في كردفان أو في النيل الأزرق. فهل يعني هذا قرب وصول التغيير العربي إلى الخرطوم؟ أم أن للسودان quot;خصوصيةquot; تحصّنه من ذلك؟