سركيس نعوم


الأزمة الحادة الناشبة في العراق منذ مدة بين رئيس وزرائه نوري المالكي من جهة ونائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي ونائب رئيس الوزراء صالح المطلك ووزير المال رافع العيساوي، والثلاثة ينتمون الى quot;القائمة العراقيةquot; التي يتزعمها الرئيس الأسبق للحكومة اياد علاوي، هذه الأزمة يمكن أن تسير في اتجاه من ثلاثة في رأي باحث اميركي خبير في المسائل العسكرية والأمنية لكل من العراق وايران وليبيا واليمن ودول الخليج. الاتجاه الأول هو المحافظة على الوضع القائم منذ تشكيل الحكومة الاخيرة للمالكي وقبل نشوب الأزمة الاخيرة بينه وبين اخصامه. ويعني ذلك مبادرة الاكراد الذين منهم رئيس الجمهورية جلال طالباني الى التوسط بين الفريقين بغية توصلهما الى هدنة، ولكن من دون اضطرار اي منهما الى تقديم تنازلات جوهرية. فرئيس الوزراء قد يقدم تنازلات قليلة في موضوع قانون اجتثاث البعث، وفي موضوع العلاقة الفيديرالية مع quot;المحافظات السنيةquot; وفي موضوع المشاركة في الاشراف على القوى الأمنية. والأكراد قد يحصلون جراء ذلك على تجديد المالكي التزام العمل من اجل تنفيذ لائحة مطالبهم المقدمة اليه والبالغ عددها تسعة عشر. طبعاً هدنة كهذه لا يمكن التوصل اليها في بغداد لأن اجتماع المتخاصمين فيها بدأ يصبح مستحيلاً لأسباب أمنية على الارجح. ولذلك فان منطقة كردستان العراق، وربما اربيل، قد تكون المكان المناسب لذلك، علماً أن هدنة كالمفصّلة أعلاه قد لا تستمر أكثر من أشهر معدودة.
والاتجاه الثاني هو احتمال استعمال الاكراد الازمة الناشبة لزيادة الضغط على المالكي بتهديده بحجب مجلس النواب ثقته عن حكومته، وذلك بغية الحصول منه على تنازلات تتعلق بالعقد الذي وقّعته حكومتهم مع شركة quot;اكسون موبيلquot; لتطوير ستة حقول نفطية في المنطقة الكردية. واذا تجاوب مع هذا الطلب فان الاكراد قد quot;يقطعونquot; مع quot;العراقيةquot; تاركين السنّة العراقيين العرب وحدهم مرة اخرى. ومن شأن أمر كهذا quot;تنقيزquot;، بل تنفير، السنّة العرب من بغداد والاكراد في وقت واحد، الأمر الذي يشرّع الساحة العراقية، وتحديداً في الشمال والوسط، امام عنف كبير.
اما الاتجاه الثالث فهو محاولة ازاحة المالكي بحجب الثقة عن حكومته في مجلس النواب، مع ترشيح سلفه ابرهيم الجعفري للحلول مكانه، ربما لأنه قد يكون مقبولاً من كتل نيابية عدة. لكن ماذا يمنع المالكي من رفض الانسجام مع حجب الثقة عنه، ومن تمسكه بمنصبه معتمداً على الجيش والقوى الأمنية التي يبدو أنها في تصرفه كلها؟ وموقف كهذا غير مستبعد، ليس فقط بسبب شخصية المالكي وطبعه، بل ايضاً بسبب تأييد ايران الاسلامية التام له في هذه المرحلة. ويقال انه يحظى ايضاً، وإن لأسباب مختلفة، بتأييد اميركا.
أي اتجاه من الثلاثة المفصّلين اعلاه اقرب الى الحصول؟ وماذا تفعل اميركا، او يُفترض أن تفعل، في حال كهذه؟
يقول الباحث الأميركي نفسه جواباً عن ذلك ان الوضع القائم (الستاتيكو) جذاب لغياب البدائل وان لم يحل شيئاً. لكنه قد لا يدوم، وخصوصاً اذا نكث المالكي بوعود (تنازلات) قدمها اثناء التفاوض للأكراد والسنّة العرب في بلاده. وفي حال تجدُّد العنف جراء اقدامه على خطوات استفزازية يفترض في اميركا أن تجمّد مساعدتها الأمنية للعراق وأن تحذّر المسافرين الاميركيين من زيارة العراق، الأمر الذي لا بد ان يؤثر على الاستثمارات الخارجية. ويُفترض فيها ايضا دفع الاكراد الى البقاء بعيداً عن العنف وكل ما يتسبّب به. اما اذا حصل اختبار قوة بين المالكي ومجلس النواب فان على واشنطن دعم المجلس.
هل يمكن معرفة مستقبل العراق منذ الآن؟
يعتقد عراقيون منغمسون في الشؤون العامة لبلادهم أنها امام ثلاثة احتمالات. الاول قيام دولة مركزية قوية. والثاني قيام فيديرالية في العراق تتقيّد بنصوص الدستور. والثالث تقسيم العراق دويلات (ثلاث) سنّية وشيعية وكردية. الاحتمال الأول صعب التنفيذ في رأيهم بسبب قوة المكوّنات الاساسية الثلاثة للشعب العراقي، وتمتّع كل منها بدعم جهات دولية واقليمية فاعلة وقوية. والاحتمال الثاني لم ينفذ في رأيهم بسبب غياب الحكمة والوعي عند المتعاطين بالشأن العراقي، وبسبب عدم توافر الكادرات اللازمة لاقامة الفيديرالية والمعرفة، باعتبار ان هذا الاحتمال ليس تقسيماً. اما الاحتمال الثالث، التقسيم، فيعتقد بعض العراقيين انه قد ينفّذ لأن هناك جهات أميركية مهمة، من بينها نائب الرئيس جو بايدن تحبِّذه. والله أعلم.