يوسف الكويليت
حين أُسدل الستار على الاتحاد السوفياتي، قيل يومها إن الحرب الباردة انتهت لانتفاء وجود معسكريْن متصادمين، وبدء الدولة الأحادية الأمريكية لتهيمن على العالم، غير أن الظروف اختلفت، فبإنشاء الاتحاد الأوروبي، وبروز الصين والهند، بدأت تتعدد الأقطاب، ومع ذلك ساد الهدوء حتى في إشعال الحرب في أفغانستان والعراق، لكن ما يدور في أفق اليوم أعاد لهجة حرب جديدة، وهذه المرة ليست بسبب سباق أيدلوجي أو عسكري، بل على تقاسم المصالح، وعدم احتكارها من طرف واحد..
فالتوتر ما بين إيران وأمريكا، والكتلة الغربية حول موضوع تسلحها نووياً، قسم مجلس الأمن إلى فريقين، وزادت نسبة المشاحنات مع الربيع العربي، وخاصة ليبيا التي تدخلت قوات الأطلسي، بإزاحة القذافي، ومحاولة وضع نهاية للأسد وفق آلية مختلفة، ولعل وصول قطع من الأسطول الروسي إلى الموانئ السورية يأتي لرفع درجة حرارة الصراع حول المنطقة..
الأساطيل الأمريكية الموجودة في الخليج العربي، وكذلك تحرك حاملة الطائرات البريطانية، إلى جانب تعزيزات لقوات بحرية سوف تصل لهذا الممر المائي الحساس، حركت لسان الرئيس الروسي القادم laquo;بوتنraquo; بأنه لن يسمح للغرب باتخاذ أي إجراء أحادي الجانب، وأن بلاده سترد على أي عملية كهذه تهدد مصالحها، وقد جاء هذا الإنذار من خلال الانتخابات الروسية التي يخوضها بوتن..
وبصرف النظر عن تسخين الأجواء العالمية بهذه التصريحات، فإن الاعتبارات لا تزال تعطي شيئاً من تنافس جديد، لكنه مختلف تماماً حين كان الغرب والشرق كتلتين متصارعتين بأدوات تلك المرحلة وظروفها، فروسيا، حتى لو تقاربت مع الصين فيما يشبه التنسيق السياسي، فهو لم يصل إلى حد التحالف الذي يربط الأطلسي ببعضه، والصين مصالحها مع الغرب أكبر عشرات المرات من الاتفاقات مع روسيا وبالتالي فهي تنأى بنفسها عن أن تدخل صراعاً حاداً، بل قد تقف على الحياد، فيما لو وصلت الأمور إلى ارتفاع حدة التسخين في المواقف، وقد تكون الكاسب الأكبر من أي تماس بين طرفيْ الخلاف..
روسيا لا يستهان بقوتها العسكرية، وما تملكه من هذا المخزون الكبير، إلا أنها قزم اقتصادي لا توازي مداخيل كوريا الجنوبية، ولا تقدمها، غير أن التخفيف من المخاطر يدركه عقل تلك القوى، لأن الانزلاق إلى حرب، ولو محدودة، يعني كارثة قد تلحقها تصرفات أخطر..
الخليج العربي، وكذلك إيران، وسورية، هي مواقع التوتر، لكن العالم لا يحتمل أو يفكر بحرب عالمية ثالثة، وكل ما يجري مناورات لن تصل إلى الصدام المسلح، بل هي جس نبض لقوة كل طرف، وما سيقوله في هذه الظروف..
التعليقات