عبدالله إسكندر

تشدد روسيا هذه الايام على وجود خطط غربية لتغيير نظامي الحكم في طهران ودمشق. وقد يكون هذا التشديد يرتبط برغبة موسكو عدم الانخراط في مواقف دولية مناهضة للبلدين، لحسابات خاصة، او تحسباً لمقايضات لاحقة مع عودة فلاديمير بوتين الى الكرملين. لكن خلاصة هذا الاتهام هي ان ايران وسورية لا تزالان تعتبران نفسيهما في منأى عن عمل دولي، عبر مجلس الامن. وتالياً تبقى ثغرة في الجبهة السياسية الغربية حيث ان اي قرار يُتخذ في حق الدولتين يبقى قراراً فردياً.

ومعلوم ان الموقف الغربي يعترض على ما يسميه المسعى الايراني الى امتلاك سلاح نووي وعلى كيفية معالجة السلطات السورية للحركة الاحتجاجية، بما يجعل الغرب في جبهة واحدة في مقابل الجبهة الواحدة السورية - الايرانية.

ولمناسبة الجدل عن احتمال التدخل الغربي في سورية لحماية المدنيين، ومع انسحاب القوات الاميركية من العراق واستعداداتها للانسحاب من افغانستان، يرى كثر ان الغرب ليس في وارد التدخل العسكري، مستخلصاً دروس التدخل في كل من العراق وأفغانستان وليبيا. وأن الادارة الاميركية الحالية تفضل التركيز على الوضع الداخلي عشية انطلاق الحملة الانتخابية الرئاسية، مثل نظيرتها الفرنسية. كما ان الازمة الاقتصادية والمالية التي عصفت بأميركا وأوروبا، تحد كثيراً من الاندفاع الى تكاليف باهظة جديدة. لا بل يذهب مسؤولون ايرانيون وسوريون، وهم المعنيون اساساً باحتمالات التدخل، الى ان الغرب تلقى هزيمة في مغامراته العسكرية في المنطقة على نحو يجعله يفكر كثيراً قبل الإقدام على مغامرة جديدة. ويضيف هؤلاء ايضاً انهم على اتم استعداد عسكري من اجل الرد على اي هجوم، عبر تطوير اسلحة برية وبحرية وجوية، ما يشكل رادعاً لأي عدوان. ويهددون بقلب الطاولة على الجميع، بدءاً من اغلاق مضيق هرمز وصولاً الى تدمير إسرائيل بالصواريخ الطويلة والمتوسطة والقصيرة المدى.

كل ذلك للقول ان ثمة من يرى ان الوصول الى حافة الهاوية سياسياً، لا يعني بالضرورة التوجه الى حرب محتومة ومواجهة شاملة. وأن كل ما نراه من مناورات سياسية وعسكرية وتهديدات يقع في اطار تبادل الضغوط والتمهيد للتفاوض. ويستدل هؤلاء بالتسوية الاميركية - الاسرائيلية في العراق، والتحركات الايرانية في سبيل معاودة المفاوضات النووية، ومآل المبادرة العربية في سورية التي اراحت الغرب في مجلس الامن من عناء المشادات من اجل قرار يدين السلطات في دمشق.

لكن، في مقابل هذه المؤشرات هناك أخرى تظهر ان الحركة الديبلوماسية الواسعة في المنطقة، ومنها واليها، تتوازى مع معطيات على الارض تظهر ان الحرب بدأت فعلاً، وأن المسألة تتعلق بمدى اتساعها وليس بوجودها.

وفي هذا المجال يمكن ان يُشار الى عمليات الاغتيال للعلماء النوويين الايرانيين، وآخرها قبل ايام. صحيح ان اغتيالات كهذه هدفها تأخير البرنامج الايراني الذي يتأخر اصلاً بفعل العقوبات. لكن مجرد اعتماد الاغتيال، خصوصاً ان المشتبه به الاساسي يبقى اسرائيل، يعني الانتقال الى مرحلة القتل التي هي احد تعبيرات الحرب.

في المقابل، تأخذ الحركة الاحتجاجية في البحرين واليمن، وغيرهما من البلدان الخليجية، طابعاً يزداد عنفاً مع الجهر بالمرجعية الايرانية لبعض اطرافها، ما يشكل نوعاً من الرد الممكن حالياً، في اطار مواجهة تتجه نحو التعميم.

هذه المؤشرات ليست مجرد مقدمات قد تقود الى حرب، تدخل فيها القوات والاساطيل والصواريخ. انها من الظواهر التي تشي بأن الحرب وكأنها قد بدأت. اما اعلانها فقد يكون في اي حادث عرضي او خطأ قد يحصل في لحظة ما.