كتب: Sean McLain

ستتخلى الولايات المتحدة عن laquo;أنظمتها القديمة التي استُعملت في حقبة الحرب الباردةraquo; بحسب قول أوباما، وستنشئ قوة مقاتلة laquo;أصغرraquo; تكون laquo;حيوية ومرنة ومستعدة لمواجهة مختلف التهديدات وحالات الطوارئraquo;، لكن تبرز مشكلة واحدة في هذه الخطة: لم يكن أمام أوباما أي خيار آخر.
ادعى باراك أوباما منذ أيام أنه يتوقع معالم المعارك التي يمكن أن تنشأ مستقبلاً، فأعلن رؤية استراتيجية جديدة تخص الجيش الأميركي، إذ ستتخلى الولايات المتحدة عن ldquo;أنظمتها القديمة التي استُعملت في حقبة الحرب الباردةrdquo; بحسب قوله، وستنشئ قوة مقاتلة ldquo;أصغرrdquo; تكون ldquo;حيوية ومرنة ومستعدة لمواجهة مختلف التهديدات وحالات الطوارئrdquo;.
لكن تبرز مشكلة واحدة في هذه الخطة: لم يكن أمام أوباما أي خيار آخر.
أدلى أوباما بهذه التعليقات بعد التوقيع على قانون مراقبة الميزانية الذي أقره الكونغرس وهو ينص على تخفيض الإنفاق الحكومي بنسبة كبيرة. تماماً مثل ميزانية الدفاع الأميركية، يوشك الجيش الأميركي على تخفيض حجمه بداعي الضرورة ولا علاقة لرؤية أوباما المستقبلية بالأمر.
أوصى الكونغرس الأميركي بتخفيض الإنفاق العسكري وخصم ما بين 500 مليار وتريليون دولار خلال العقد المقبل، وعملياً، يعني ذلك التخلي عن 100 ألف جندي و200 طائرة مقاتلة تقريباً، فبعد عشر سنوات من إنفاق الكثير على حربين ومواجهة ركود اقتصادي موجع، لا شك أن الأميركيين يتوقون إلى التمتع بالراحة والسلام.
يتسع نطاق تخفيض الإنفاق على الأرجح، إذ كلفت الحربان، في أفغانستان والعراق، حوالي تريليون دولار على جميع المستويات وقد تكبد دافعو الضرائب الأميركيون هذه التكاليف، فكان البنتاغون، باعترافه الخاص، يدفع حوالي 400 دولار مقابل الغالون الواحد لتزويد المركبات المدرعة بالوقود في أفغانستان.
لكن يحمل خطاب أوباما شيئاً من الازدواجية السياسية، إذ كان ملفتاً أن نسمعه يقتبس كلام الرئيس الأميركي الأسبق دوايت أيزنهاور في خطابه الوداعي أمام الأمة.
في ذلك الزمن الذي شهد تداعيات الحرب الباردة وانتشار المخاوف من المد الشيوعي وتزايد الدعوات إلى زيادة الإنفاق العسكري لمواجهة تلك التهديدات، قال الرئيس: ldquo;لا بد من مقاربة كل اقتراح على ضوء اعتبارات أوسع أبرزها الحاجة إلى ضمان التوازن في البرامج الوطنيةrdquo;.
إنه الرئيس أيزنهاور نفسه الذي كان قد كشف عن سياسة الأمن القومي بحلتها الجديدة على أن تترافق مع تخفيض جذري للقوة البشرية في الجيش الأميركي، مع التركيز على بناء قوة جوية هائلة ومعدة لاستعمال الأسلحة الذرية. لقد كان مقتنعاً أيضاً بأن مستقبل الحروب سيرتكز على هذه المعطيات الجديدة.
لكن واجهت تلك السياسة الجديدة انتقادات كثيرة باعتبارها مسؤولة عن نشوء ldquo;فراغ عسكريrdquo; خلال السبعينيات، وقد انتشر هذا المصطلح بعد أن كان الرئيس جيمي كارتر حينها يفكر بقصف إيران خلال أزمة الرهائن، فقيل إنه سأل عن عدد القاذفات من طراز بي- 52 (B-52) التي يمكن حشدها، فأجابوه بأن العدد يقتصر على أربع قاذفات.
يعود ذلك الوضع إلى واقع أن الولايات المتحدة، على الرغم من القوة الجوية الهائلة التي أنشأتها، كانت تفتقر إلى الآليات الميكانيكية وطائرات الدعم والإمدادات والوقود المنقول جواً، أما اليوم، فيكثر الحديث عن ldquo;الفراغ العسكريrdquo; في التحليلات السياسية التي تدين خطط أوباما لإعادة تحديث الجيش الأميركي، وهو أمر مبرر بعض الشيء. اعتادت الولايات المتحدة على الانسحاب بعد أي صراع ثم الامتناع عن الاستعداد للصراع التالي. إنها دورة مألوفة لا تكفّ عن الحدوث منذ الحرب العالمية الأولى، حتى إنها بدأت بعد ldquo;الحرب على الاستقلالrdquo; عندما خفض البلد حجم جيشه ليقتصر على أعداد محدودة.
كان كل تخفيض عسكري تقريباً يتبعه صراع يجعل الولايات المتحدة تعاني في تجميع عدد الجنود اللازم لخوض صراعاتها بفاعلية.
لا تختلف حربا العراق وأفغانستان عن ذلك الوضع بأي شكل، فقد استعانت الولايات المتحدة بآلاف العسكريين غير الناشطين، وكان بعضهم قد امتنع عن التدريب طوال سنوات، بالإضافة إلى حشد عناصر من الحرس الوطني، وعلى الرغم من الانتقادات التي يواجهها أوباما، فمن المستبعد أن يتسبب ذلك بفراغ عسكري جديد.
من المتوقع أن يؤدي تخفيض عدد الجنود إلى نشوء قوة مقاتلة تتمتع بإمكانات أفضل لكن بكلفة أقل، ومع ذلك، لن يكون استنتاج أوباما القائل إن الولايات المتحدة ستكون مجهزة بشكل أفضل لشن الحرب صحيحاً بالضرورة، فقد يشهد العالم مستقبلاً صراعاً لا أهمية فيه لحجم الجيش.
تجدر الإشارة إلى أن حجم الجيوش حول العالم تراجع بوتيرة تدريجية منذ نهاية الحرب الباردة، لكن نجمت فترة الهدوء النسبي في المرحلة اللاحقة عن تفوق حجم القوة العسكرية الأميركية.
سيسعى أوباما إلى إقناع الأميركيين وحلفائه وأعدائه حول العالم بأن الولايات المتحدة يمكن أن تخصم نصف تريليون دولار من ميزانيتها العسكرية وأن تحافظ على جيش قوي في الوقت نفسه.
لو كان الفوز بالحروب يتوقف على استعمال الطائرات بلا طيار والتكنولوجيا المتطورة حصراً، لكان أوباما محقاً، لكن لسوء الحظ، لم تنجح الأحداث التاريخية ولا المعطيات المنطقية بإقناع أحد بهذه النظرية.
كان يجب أن يشجع أوباما على إقامة نقاش جدي حول مستقبل الأمن الدولي، بدءاً من منطقة آسيا والمحيط الهادئ وصولاً إلى الشرق الأوسط، بدل تكرار الجرائم التي ارتكبها أسلافه. هو يعترف ضمناً بأن الولايات المتحدة لم تعد تستطيع استعمال الموارد العسكرية بقدر ما كانت تفعل في منتصف القرن العشرين، ولكنه يعود ليؤكد عدم وجود ما يدعو إلى القلق.
لم تعد الولايات المتحدة تستطيع، أو تنوي، أن تبقى الجهة الوحيدة التي تضمن سلام العالم. كان تعزيز التعاون الدولي في المجال الأمني الشعار الأساسي الذي رفعته الإدارة الأميركية الراهنة منذ تنصيب أوباما.
لن تتمكن الولايات المتحدة من منع أي حرب كبرى في المرحلة المقبلة إلى ما لا نهاية، ففي الوقت نفسه، لن يتوقف العالم مستقبلاً عن إنتاج أمثال أدولف هتلر والقيصر فيلهلم وكيم إيل سونغ، أو حتى بعض الشخصيات التي ستُعتبر أقل شراً مقارنةً بغيرها من الأشرار في كتب التاريخ مثل أسامة بن لادن.
قال أوباما في الأسبوع الماضي: ldquo;لا يمكن أن تتحمل الولايات المتحدة كلفة تكرار الأخطاء التي ارتُكبت في الماضيrdquo;، لكنه يجب أن يتذكر كلمات الفيلسوف جورج سانتيانا في القرن العشرين: ldquo;وحدهم الأموات شهدوا نهاية الحربrdquo;.
*صحافي مستقل، مقره نيودلهي. كان يكتب سابقاً في صحيفة laquo;ذا ناشيونالraquo;
(The National).