حسين شبكشي


العلاقات السعودية الصينية اليوم هي مثال واضح لتطور العلاقات وتبدلها بحسب تغير الظروف والأسباب بين الأمم. فالصين لم تكن من الدول التي تقيم معها السعودية أي نوع من العلاقات السياسية منذ أكثر من عقدين من الزمان باتت اليوم شريكا اقتصاديا استثنائيا للسعودية يزداد حجم العلاقة بينهما بالتدرج.

فالانفتاح السعودي على الصين بات واضحا جدا وخصوصا أن الصين اليوم تعد أهم زبون للنفط السعودي، وصاحبة الحصة الأكبر نموا فيه ولذلك كان من الطبيعي أن تحظى زيارة رئيس الوزراء الصيني للسعودية في الأيام الماضية بالاهتمام الكبير، وكان التوقيع على اتفاقية مصفاة ينبع كشراكة بين الشركة السعودية العملاقة للنفط laquo;أرامكوraquo; وبين شركة البترول الصينية الضخمة laquo;سينوبكraquo; باستثمارات تبلغ 32 مليار ريال دليلا قطعيا على أهمية هذه العلاقة المتنامية.

ومعروف أن لسابك ولأرامكو اهتمامات كبيرة جدا واستثمارات هائلة في الصين نفسها لضمانة سلاسة انسياب النفط ومشتقاته للسوق الصيني الأكبر بالنسبة بالنسبة للسعودية.

والصين حضورها الاقتصادي في السعودية يتزايد فهناك تواجد قوي لشركات المقاولات الصينية والتي كان لها حصة جيدة في بناء وتوسعة مصانع شركات الأسمنت وبعض المشاريع الحكومية وكذلك الأمر بالنسبة لشركة هواوي الكبرى المتخصصة في مقاولات الاتصالات وشبكاتها والتي تواجدت مع مقدمي خدمات الاتصالات بشكل فعال في كافة الأراضي السعودية ومشروع قطار المشاعر.

وأيضا هناك تواجد كثيف للمنتجات التجارية في مجالات قطاع السيارات والأجهزة الالكترونية وباتت علامات تجارية مثل laquo;شيريraquo; وlaquo;جيليraquo; وlaquo;هايرraquo; و laquo;هايسنسraquo; لها السمعة الجيدة والمنافسة أمام تواجد عالمي قوي ومنافس.

الصين اليوم تكثف حضورها وبقوة في ساحات العالم الثالث تحديدا وتربط وجودها بانتشارها العددي البشري في كل بقعة هي فيها فمثلا في أفريقيا تسعى وتقيس نجاحها الاستثماري بأن يكون لديها 10 مليون صيني في القارة السمراء بحلول عام 2010 الذي مضى وهي لا تزال تسعى وتقدم وبسخاء تسهيلات مالية لأجل توسيع قاعدة استثماراتها في هذه الدول، ونفس الأمر في الدول الآسيوية التي تعتبر الصين الدولة العظمى فيها.

وهناك laquo;هجومraquo; صيني الآن على القارة الأوروبية المتضررة ماليا فقامت الصين بعقد laquo;صفقاتraquo; انتهازية بسبب الأوضاع المتردية في كل من اليونان وأسبانيا والبرتغال، وتستعد لذات الشيء في إيطاليا وفرنسا ولا يمكن نسيان التواجد الصيني المتزايد في استراليا وأميركيا اللاتينية بطبيعة الحال وهو تواجد ملموس في كافة القطاعات والأنشطة.

وتعتمد الصين على نشر تواجدها عبر الملايين من الصينين المهاجرين حول العالم والذين يرون تحول دولتهم من معسكر شيوعي مغلق إلى رأس مالية من نوع جديد دون laquo;أجندةraquo; استعمارية مثل الاتحاد السوفيتي أو الولايات المتحدة الأميركية. كانت السعودية لفترة طويلة تقيم علاقات دبلوماسية مع تايوان والتي كانت تعرف باسم جمهورية الصين الوطنية، ثم حظر المجتمع الدولي مع تنامي قوة الصين أن تستخدم تايوان هذا الاسم، ثم كان الانفتاح السعودي laquo;المفاجيءraquo; للعالم على الصين عبر صفقة الصواريخ الكبرى مع الصين وتطورت العلاقة بالتدريج حتى وصلت إلى المستوى الحالي بتميز كبير ولافت.

الصين تنمو ويتسع طموحها وحجم نفوذها وهي تسعى اليوم للتواجد laquo;خارجraquo; حدودها، ودشنت لأول مرة حاملة طائرات صنعتها بنفسها وتتفق الآن مع جمهورية السيشل في المحيط الهادي ليكون لها قاعدة عسكرية لتحمي التجارة العالمية من القرصنة الدولية، ولكنها في ذات الوقت هي تحمي استثماراتها المتنامية في القارة الأفريقية.

الصين ستصبح بعد عشرة أعوام الاقتصاد الأكبر في العالم وسيكون لها شأن متعاظم وذلك ليس غريبا ولا مفاجئا أننا نرى اليوم العشرات من الطلبة السعوديين يدرسون بالصين ويقبول على تعلم الماندرين والكانتونيز لغات الصين الرئيسية! عشرون عاما مثيرة هي قصة العلاقات السعودية الصينية بنيت على الثقة وتقدير المصالح المشتركة.