عبدالله بن بجاد العتيبي

لا يبدو لدى quot;الإخوان المسلمينquot; في مصر أي حساسية في التعامل مع أميركا والغرب، فقد أظهرت وسائل الإعلام quot;المرشد الثامنquot; للجماعة محمد بديع ضاحكاً مع سفيرة أميركا في مصر عشية فوز الحزب المنبثق عن جماعته quot;الحرية والعدالةquot; بأغلبية المقاعد في البرلمان المصري الجديد، وبالتوازي مع هذا التغيير الحاصل في مواقف جماعة quot;الإخوان المسلمينquot;، فقد انتشرت من قبل ومن بعد مطالبات تصدر من مثقفين وصحافيين وكتّاب خليجيين تدعو لمشروع إنقاذٍ اقتصادي ضخمٍ تقوده دول الخليج للتنمية في مصر ودول الاحتجاجات العربية.

بعد الحرب العالمية الثانية، أطلق وزير الخارجية الأميركي جورج مارشال مشروعه الاقتصادي الكبير لإنقاذ أوروبا ومساعدتها آنذاك على إنعاش اقتصاداتها فيما عرف لاحقاً بـquot;مشروع مارشالquot;، ومن هنا يدعو هؤلاء المثقفون والكتّاب الخليجيون دولهم لتنفيذ مشروع quot;مارشالquot; جديد في المنطقة يتمّ تقديمه على طبقٍ من ذهبٍ لدول الاحتجاجات العربية التي يسمّيها البعض ثورة، والتي وصلت لسدّة الحكم فيها تيارات الإسلام السياسي والأصوليون بشكلٍ عام وعلى رأسهم بطبيعة الحال جماعة quot;الإخوان المسلمينquot;، بما يمثّله ذلك المشروع المطروح من دعم اقتصادي مفتوح هو أشبه ما يكون بشيك على بياض.

من يطرحون مثل هذا المشروع يستحضرون التحدّي الاقتصادي الذي سيواجه تلك الدول العربية المحتجة، وبالتالي قياداتها السياسية الجديدة من quot;الإخوان المسلمينquot;، باعتبار التحدّي الاقتصادي هو التحدي الأكبر الذي سيواجه هذه الدول الجديدة وقواها السياسية كافةً والحاكمة خاصةً إنْ في تونس وإنْ في مصر وإنْ في اليمن مستقبلاً.

تبدو الدعوة لهكذا مشروع مبررةً لدى طارحيه والمبشرين به، فدول الخليج هي الدول شبه الوحيدة بالمنطقة القادرة إقتصادياً وفي زمن الأزمات الاقتصادية الذي تشهدها دول الغرب كأميركا والاتحاد الأوروبي كما بعض دول الشرق وبعض دول المنطقة كإيران وسوريا، ولهذا تبدو دول الخليج للبعض كالكنز الثمين الذي يسعى الجميع لنيل حصته من غلّته، ويريد البعض أن تتحوّل فوائض ميزانيات دول الخليج لخدمة أنظمةٍ ناشئةٍ في المنطقة لم تتحدّد بعد سياسات قياداتها quot;الإخوانيةquot; الجديدة.

تختلف دوافع طارحي مثل هذا المشروع الكبير، فالبعض يريد تقديم خدمة آيديولوجية لطالما اقتنع بها تصريحاً أو تلميحاً، ينأى عنها حيناً ثمّ لا يلبث أن يعود إليها، والبعض الآخر ينطلق من دوافع الحماسة للاحتجاجات أو الثورات رغبةً في نجاحها بأي شكلٍ وأي ثمنٍ، والبعض يدعم مثل هذا المشروع بدافعٍ من السخط وحده، فهو ساخط على كل شيء ويبحث عن التغيير أياً كان إن للأفضل وإن للأسوأ فالأمور لديه متساوية.

يغيب عن هؤلاء أنّ العلاقات السياسية والتحالفات السياسية مبناها وعمادها على المصالح المتبادلة، وبقدر ما يخدم المشروع السياسي المشترك مصالح الطرفين بقدر ما يحقق النجاح ويضمن استمراره، ومن حق كل دولةٍ أو تكتلٍ سياسيٍ أن يرعى مصالحه أولاً حين يدخل في تقويم علاقات قائمةٍ أو مستقبلية مع هذه الدولة أو تلك.

لغياب هذا البعد عمّن يطرحون هذا المشروع، فإنّهم يلحّون في محاولات الدفع بالدول الخليجية لتقديم خدماتٍ ماليةٍ ونقديةٍ لدول الاحتجاجات العربية التي سيطرت عليها جماعات quot;الإخوان المسلمينquot; كتونس ومصر لمعالجة أزماتها الحادة وتقديم حبل النجاة لها، ولكن ألا يمكننا طرح المعادلة بشكلٍ أكثر صحةً واعتدالاً حتى يمكن تقويم مثل هذا المشروع؟ ثمّ كيف يمكن هذا؟

يمكن هذا بالنظر للمعادلة من جهةٍ أخرى، أي جهة دول الخليج، بمعنى إن كانت هذه الدول ستقدّم تلك الخدمات والتمويلات وستقرّ مثل هذا المشروع الاقتصادي الإنقاذي الضخم، ألا يحقّ لها أن تتساءل ماذا ستتلقّى بالمقابل؟

إنّ لدى أغلب دول الخليج مشاكل مزمنة مع جماعة quot;الإخوانquot; تعبّر عنها الأسئلة التالية: هل quot;الإخوان المسلمونquot; الممسكون بنظام الحكم في تلك الدول قادرون على تقديم مقابلٍ لدول الخليج إن سياسياً وإن آيديولوجياً وإن اقتصادياً؟ أمّ أن المراد هو أن تدفع دول الخليج ثمن تلك العلاقة وهي عمياء؟

مع عدم إلغاء قيمة تلك الدول وبنيتها الاجتماعية والاقتصادية ومواقعها السياسية والجغرافية المؤثرة، والتي تعتبر مكتسبات وطنية لتلك الدولة ومعطيات حقيقية لقيمتها الحضارية والثقافية والسياسية، فإن القيادات السياسية الجديدة التي أفرزتها صناديق اقتراع انتخابية عليها أن تستحضر تلك المكانة، وأن تتحمّل تبعات القيادة وأن تتحمّل مسؤولية القرارت التي تتخذها.

فمثلاً مطلوب من تلك القيادات السياسية الجديدة لتلك الدول أن تجيب على أسئلةٍ خليجية مهمةٍ من ضمنها: هل ستستمر القوى الإخوانية الجديدة في الانحياز لإيران ضدّ دول الخليج أم ستغيّر موقفها لتحصل على ذلك المشروع المارشالي؟ وهل ستقدّم قيادات quot;الإخوانquot; في دول الاحتجاجات وتحديداً مصر دعواتٍ علنيةٍ للجماعات التابعة لها في دول الخليج لتتخلّى عن تنظيماتها السريّة الهرمية في تلك الدول كبادرة حسن نيةٍ في بناء علاقاتٍ سياسيةٍ صحيحةٍ أم ستحافظ عليها وتدعمها لتبقى شوكةً في خاصرة دول الخليج؟

ولئن هجست جماعة quot;الإخوانquot; في مصر وتونس بتقديم تطميناتٍ لدول الغرب عبر التصريحات والبرامج السياسية والتحالفات الانتخابية والوسائل الإعلامية، أفلا يحقّ لدول الخليج التي يطالبها البعض بمشروعٍ quot;مارشاليquot; أن تطالب بالحق ذاته؟

فمثلاً: ألا يمكن لجماعة quot;الإخوان المسلمينquot; أن تحلّ نفسها؟ وهو سؤال كبيرٌ، وأن تتحول بالتالي لحزبٍ سياسيٍ هو حزب quot;الحريّة والعدالةquot;، وأن تنقل باقي نشاطها لجماعاتٍ خيريةٍ تقدم خدماتٍ اجتماعية وخيرية تخص الأيتام والمحرومين من شتى الفئات، أو ترعى المبدعين في شتى المجالات دون الحاجة لتنظيمٍ شموليٍ صارم؟ وهي دعواتٌ ليست بالجديدة فقد أعلن عنها بعض إخوان الخليج الذين تخلّوا عن الجماعة وأصبحوا مستقلّين.

ثمّ، لماذا ينظر بعض الصحافيين للمشهد من زاوية الإخوان فحسب؟ بمعنى أن يلقوا مطالباتٍ بلا حسابٍ لدول الخليج والسعودية تحديداً بدعم تجربة الإخوان السياسية الجديدة دون أن يقدّموا مقترحاً واحداً للإخوان بالتقارب مع السعودية والخليج وحل المشكلات القائمة ومناقشة التاريخ المليء بأخطاء الإخوان وقراراتهم على مستويين: أولاً: أزماتهم الخاصة التي كانت السعودية والخليج تحلّها، وثانياً: أزماتهم مع دول الخليج من خلال تنظيماتهم السرية والهرمية في الخليج؟

التاريخ يقول إن quot;الإخوانquot; لم يرعوا ذمةً ولم يراعوا قراراً سياسياً ضمّهم حين الشتات وأيدهم حين الضغط وناصرهم حين الضعف، فكيف يمكن الوثوق بهم بعد وصولهم لسدّة الحكم دون وجود ضماناتٍ فعليةٍ على أنّ سياساتهم وقراراتهم ستتسق في مصالحها ومصالح الدول التي يحكمون مع مصالح دول الخليج؟ السياسة لا تدار بالأماني والأحلام الوردية بل بالواقعية حيث لغة المصالح ومنطق النفع المتبادل وقيود العهود والمواثيق.

أخيراً فإنّ ما يتناساه دعاة المشروع المارشالي الجديد هو أنّ مشروع جورج مارشال الأول لإنقاذ أوروبا لم يكن بلا شروطٍ كما يتصوّرون، بل كان مشروطاً باتفاق دول أوروبا على مشروعٍ واحدٍ متكاملٍ وشاملٍ يضمن مصالح الولايات المتحدة ويحقق لدول أوروبا الإنعاش الاقتصادي، وقد ردّت أميركا مسودّات المشروع مراراً على الأوروبيين حتى وصلوا للصيغة التي تُرضي أميركا.