شملان يوسف العيسى

بدأت الاجتماعات التمهيدية في العراق لعقد المؤتمر الوطني الموسع بين الرؤساء الثلاثة؛ رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان، بحضور ممثلين عن الكتل المشاركة في العملية السياسية. ويأتي هذا المؤتمر بعد أزمة سياسية حادة أثارها قرار مجلس الوزراء العراقي بمنع وزراء قائمة quot;العراقيةquot; من ممارسة مهامهم في وزاراتهم، والتلويح بعرض اعترافات جديدة لعدد من عناصر حماية نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي المطلوب للقضاء بتهمة الإرهاب.

رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أكد أنه رغم مساعيه الحثيثة لوضع الديموقراطية في العراق على الطريق الصحيح، فإنه لا تزال هناك تحديات أمام العملية السياسية، وفي العلاقات بين مختلف القوى، كما أن هناك خلافات جوهرية تحيط بالتكوين السياسي للدولة العراقية. وقال إن هذا يمكن حله عبر توسيع صلاحيات المحافظات، مع الالتزام في الوقت ذاته بوحدة الدولة العراقية... ثم دعا إلى حل المنازعات المتعلقة بالدستور عبر الطرق السياسية.

زعيم قائمة quot;العراقيةquot;، إياد علاوي، طرح خيارات في حال فشل المؤتمر الوطني المقرر عقده للخروج من الأزمة السياسية، من بينها تسمية رئيس وزراء جديد قادر ومؤهل لإدارة شؤون البلاد يعاونه وزراء بعيدون عن المحاصصة السياسية والطائفية، مع ضرورة وجود معارضة نيابية لا تقل شأناً وفاعلية عن الحكومة. ومنها أيضاً العمل على تشكيل حكومة شراكة وطنية حقيقية تستند إلى اتفاقات أربيل لتأسيس منظومة مؤسساتية ووضع مشاريع لعراق مزدهر ذي جيش محترف ومهاب وأجهزة أمنية تساعد المواطن ولا ترهبه.

لكن لماذا تفجرت الأوضاع الأمنية والسياسية بعد رحيل آخر جندي أميركي من العراق؟ ولماذا بدأت حملة الاتهامات الحكومية ضد الهاشمي والمطلق (نائب رئيس الوزراء)، خصوصاً وأن الاتهامات جاءت عبر شاشات التلفزيون وسرد تفاصيل المؤامرة؟ لا شك أن هناك شحناً للتباين الطائفي السني الشيعي بدأ منذ دخول القوات الأميركية للعراق قبل ثماني سنوات، لكن ما أزعج المالكي فعلاً هو مطالبة السنة في العراق بالحكم الذاتي في إقليم فيدرالي بمناطقهم، بدلاً من الحكومة المركزية، وهذا ما قرره الدستور العراقي.

ونعلم أن المالكي منذ تولى رئاسة الوزارة في العراق عام 2006، عمل على توطيد سلطته ونفوذه، وقد نجح في إقصاء مخالفيه حتى من الشيعة أنفسهم مثل وزير الداخلية السابق جواد البولاني، ووزير الدفاع السابق عبدالقادر العبيدي، حيث تولى المالكي بنفسه مسؤولية وزارتي الدفاع والداخلية، إضافة إلى وزارة أمن الدولة (الأمن القومي)، هذا علاوة على أنه بحكم منصبه يسيطر أصلاً على وحدات خاصة مسؤولة أمامه وحده، مثل مكتب مكافحة الإرهاب الذي يشرف على قوات العمليات الخاصة! واليوم ترسخ نفوذ المالكي الذي أصبح أبرز زعيم في العراق، وأصبح يهيمن على الجيش والشرطة وكل المؤسسات الأمنية.

العراق اليوم أمام محن حقيقية بسبب الانقسامات الداخلية، وفشل حكومة الشراكة الوطنية... فماذا يمكن لدول الجوار العربي فعله لمساعدته على تخطي أزمته؟ وهل يقبل العراق بأي وساطة إقليمية، خصوصاً بعد أن ساءت علاقاته مع تركيا بسبب اتهام بغداد لرئيس الوزراء التركي بالتدخل في شؤون العراق الداخلية. هذا إضافة إلى أن بغداد ليست على علاقة طيبة بالرياض، خاصة بعد أن اتخذ المالكي موقفاً مؤيداً لبشار الأسد، رغم معاداة رئيس الوزراء العراقي لحزب quot;البعثquot; الذي طلب من النخبة العراقية توحيد صفوفها والابتعاد عن الشحن الطائفي والعرقي.

العراق يمكن أن يكون مثالاً للدولة المدنية التي تتعايش فيها كل الطوائف والقوميات والأديان دون أي مشكلة، إذا تمت إعادة الاعتبار لدولة المواطنة التي يتساوى فيها الجميع مهما كانت انتماءاتهم الفئوية.