محمد بن عبد اللطيف ال الشيخ
علاقتنا كسعوديين مع جماعة الإخوان المسلمين علاقة تاريخية مريرة. فعندما اضطهدهم عبد الناصر في الستينات من القرن الماضي قامت المملكة باحتضان كبارهم، ووفّرت لهم المأوى، وتعاملت معهم بأريحية وكرم ومناصرة لم يجدوها في أغلب الدول العربية آنذاك؛ حيث كانت الأجهزة القمعية الناصرية تعتبر كل من يستضيفهم ويوفر لهم المأوى بمثابة العدو؛ وكانت الآلة الإعلامية المصرية حينئذ هي الصوت الأقوى بين أجهزة الإعلام العربي؛ فمن يقف ضد عبد الناصر ومع الإخوان، سيكون في مرمى حملاتهم التي كانت تدخل كل بيت عربي من الخليج إلى المحيط؛ وقد نالنا من سهامهم وأراجيفهم بسبب احتضان الإخوان ما لا ينساه كل من عاصر مرحلة صعود النجم الناصري قبل أن يُهزم عبد الناصر شر هزيمة في حرب 67م.
استغل رموز الإخوان الذين وجدوا من المملكة الرعاية والحضن الدافئ، فنشطوا في بناء جيل من الحركيين الإسلامويين من خلال عملهم، أو بلغة أدق سيطرتهم على سلك التعليم في المملكة بجميع مراحله، واستطاعوا بالفعل أن يُخرجوا جيلاً ضخماً من السعوديين (الحركيين الإسلامويين)، يؤمن بأدبياتهم، ويتعاطف معهم، ويُردد أطروحاتهم، ويتبنى مقولات رموزهم، التي تسعى إلى (تثوير) الإسلام، واتخاذه مطية سياسية أولاً، لتتراجع العقيدة في سلم الأولويات إلى المرحلة الثانية، وربما الثالثة، بعد أن كانت طوال تاريخ الدولة السعودية، ومنذ قيام الدولة السعودية الأولى، في المقام الأول بلا منازع؛ ليس ذلك فحسب، بل ساندوا صدام في احتلاله للكويت، وقلبوا لنا، وللكويتيين أيضاً، ظهر المجن، ثم تحالفوا مع الخميني، وساندوا الإيرانيين في امتلاك السلاح النووي علناً، واعتبروه حقاً من حقوقهم المشروعة على حساب أمننا. وتحالفوا مع حزب الله وربطتهم بقيادات الحزب في لبنان علاقات وطيدة؛ وما تزال قناة (الحوار) التي يديرها أحد أقطابهم في لندن، تنتهز كل فرصة للإساءة للمملكة، والتشنيع بسياساتها، والوقوف مع أعدائها بوقاحة لا تماثلها وقاحة.
وجماعة الإخوان المسلمين حركة سياسية، تتعامل مع الإسلام، ومفاهيم الإسلام، وقيمه، بل وثوابته، كوسيلة للوصول إلى كرسي الحكم، وتطرح نفسها أينمــا حلــت وحل أعضاؤها (كبديل) للنظام القائم؛ رافعين شعار (الإسلام هو الحل)؛ وهذا ما حصل في مصر وكذلك في تونس؛ وهو الشعار الذي أوصلهم إلى كرسي السلطة دون أن يكون لديهم برامج تفصيلية، وبالذات فيما يتعلق بالشأن الاقتصادي الذي هو التحدي الأول والأهم الذي سيواجههم عندما يحكمون.
كل المؤشرات تقول إن الإخوان سيفشلون فشلاً ذريعاً في حكم مصر؛ والسبب المعضلات الاقتصادية التي تنتظرهم وورثوها من حكم مبارك، فالعجز في الميزانية بلغ 8.6% من الناتج المحلي الإجمالي ونسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي تجاوزت 80%، وفي طريقه إلى أن يتفاقم مع مرور الوقت؛ وهذا ما بدأ يشعر به الإخوان، وليس أمامهم لتفادي فشلهم إلا البحث عن مصادر تمويل وإقراض ومساندة مالية من الخارج.. دول الخليج هي المرشحة لإنقاذ الإخوان من ورطتهم الاقتصادية، وكذلك إيران لعلاقات الإخوان الوطيدة والقديمة والحميمية بثورة الخميني. دول الخليج، وبالذات المملكة، لها تجربة مريرة كما سبق وذكرت مع الإخوان، إضافة إلى أن المستثمرين الخليجيين لن يجدوا في مصر الإخوان ما يغري ليستثمروا فيها، فاحتمالات الكساد، وتباطؤ النمو الاقتصادي، بل وربما الفشل، كما تقول المؤشرات، عالية. أما إيران فليست في وضع اقتصادي في ظل العقوبات الاقتصادية يؤهلها لمساندة حلفائها القدماء. ومن تاريخنا المرير البعيد والقريب مع الإخوان، أقول: المؤمن لا يلدغ من ذات الجحر مرتين؛ وإذا كانوا يطرحون أنفسهم (كبديل) محتمل للأنظمة القائمة، فالميدان أمامهم، لنرى كيف سيحل (المنتخبون بأمر الله) مشاكلهم.
إلى اللقاء.
التعليقات