سركيس نعوم

لا تعتقد جهات اميركية متابعة من واشنطن quot;الموضوع السوريquot; وتعقيداته الاقليمية والدولية ان هناك حلاً في الافق له. وهي تتوقع ان تتعاظم المشكلات والازمات التي يواجهها نظام الرئيس بشار الاسد مع مرور الوقت. لكنها في الوقت نفسه تعتقد ان هذا النظام انتهى، وإن يكن سقوطه الرسمي لا يزال بعيداً بعض الشيء ربما. وهي تعزو توقعها والاعتقادين الى عوامل عدة قد يكون ابرزها في المرحلة الراهنة الاقتناع الكامل اميركياً ودولياً وعربياً واسلامياً بأن الاسد لم يعد قادراً على وضع خطة اصلاحية شاملة، ولا على قيادة عملية اصلاحية جديدة مقبولة من شعبه، وتحديداً من غالبية هذا الشعب التي تناصبه العداء لاسباب عامة وفئوية في وقت واحد، ومقبولة في الوقت نفسه من محيطه العربي الذي حماه في الماضي وغطى ممارسات نظامه بالتنسيق مع الغرب الاميركي والذي يجد نفسه اليوم عاجزاً عن الاستمرار في هذا الدور.
أما عدم قدرة الاسد فيعود الى القمع بل العنف الذي مارسه ضد شعبه فأوقع في صفوفه مئات القتلى وآلاف الجرحى والمفقودين وربما المعتقلين. وأما عدم قدرة المحيط العربي على الاستمرار في دور الداعم فيعود الى اليأس من الاسد، والى الخوف من ايران المقلقة له التي قد يكون صار اسيرها، والى العجز عن تجاهل الغضب المذهبي سواء على الصعيد القطري أو على الصعيد العربي عموماً.
في اختصار تؤكد الجهات الاميركية المتابعة اياها ان سوريا بشار الاسد خسرت المملكة العربية السعودية ومجلس التعاون الخليجي. ولا يقلل حجم هذه الخسارة عدم الاعتراف بها، واتخاذ مواقف سلبية من قادة دول المجلس مثل عدم قبول استقبال امير دولة قطر وعدم استقبال مساعدين له وتسريب ذلك الى الاعلام. وعلى العكس من ذلك فإن ما يؤكد هذه الخسارة هو قول مسؤولين قطريين وفي اكثر من مجلس خاص ان سلبيتهم حيال الاسد نبعت من امور عدة ابرزها تعمده افشال quot;اتفاق الدوحةquot; بين فريقي 8 و14 آذار اللبنانيين وتالياً اضعاف دور قطر لبنانياً أو بالأحرى تهميشها. وتؤكد الجهات الاميركية نفسها ايضاً ان تركيا quot;حزب العدالة والتنميةquot; الاسلامي تمارس لعبة ممتعة. وهي قد تصل في وقت ما قد لا يكون بعيداً الى حد اقامة شريط حدودي على اراض سورية محاذية لها ومن شأن ذلك تفخيخ وضع الاسد ونظامه. وتؤكد ثالثاً ان اميركا تحشره كثيراً وتضغط عليه بالتعاون مع كل حلفائها في الغرب والمنطقة. وبدأت تظهر مفاعيل ذلك بتتالي العقوبات الصعبة المفروضة عليه. كما تضغط عليه بالحوار الذي تجريه مع الاطراف المتنوعين للمعارضة السورية بما في ذلك جماعة quot;الاخوان المسلمينquot;، التي يعتبرها البعض العمود الفقري للمعارضة، عبر وزارة الخارجية فيها.
وفي هذا المجال تحرص الجماعة المذكورة على اظهار نفسها حزب quot;الوسطquot; او الوسطيين في سوريا وفي مصر كما في الدول العربية التي لها وجود فيها. ويبدو انها حققت بعض النجاح في اقناع مسؤولين كبار في الوزارة المشار اليها بأنها الأقدر على تأمين الاستقرار لسوريا والمنطقة عموماً. كما انها تحاول اقناعها بأنها ستلتزم كل الاتفاقات التي وقعتها الانظمة quot;الساقطةquot; في السابق (حتى مع اسرائيل)، وستحمي الاقليات وتمنحهم كل حقوق المواطنية، وستساهم عملياً وجدياً في مكافحة ارهاب التيارات الاسلامية الاصولية العنفية والتكفيرية. طبعاً لا تزال quot;سيدةquot; الخارجية في واشنطن تستمع. لكنها لم تُلزِم ادارتها اي موقف حتى الآن. علماً ان الالتزام قد لا يتأخر.
هل يعني ذلك كله ان مصير النظام السوري صار quot;محسوماً، سلباً طبعاً، في رأي واشنطنquot;؟ الجهات المتابعة الاميركية نفسها تجيب عن ذلك بالنفي. وتلفت الى ان ما يقلقها وربما ما يقلق الادارة الاميركية امكان تحوّل الانتفاضة الشعبية السورية حرباً أهلية ذات خلفيات مذهبية. وذلك رغم محاولة جهات معارضة عدة تلافي ذلك. ومصدر القلق احتمال تدفق quot;مقاتلين من كل الفئات المتناقضة الى سوريا للاشتراك في quot;الجهادquot; او لمكافحته. وما يقلقها ايضاً هو احتمال نجاح النظام بالعنف المفرط في القضاء على الانتفاضة. لكن ذلك لن يفيده كثيراً اذ يحوِّل سوريا دولة بوليسية معزولة اقليمياً ودولياً مثل كوريا الشمالية، وانما من دون ان يمتلك مصادر القوة التي لكوريا هذه. وطبعاً لن يضمن ذلك بقاءه quot;الى الابدquot; لأن مصيره ساعتها سيرتبط بمصير حليفته ايران الاسلامية.
ماذا تستطيع هذه quot;الايرانquot; ان تقدم له؟ هل تستطيع ان تحميه؟ وما هي اولوياتها؟ وهل هناك مخارج من الازمة لا تزال متوافرة للاسد؟ وهل استعمال القوة quot;الدوليةquot; او quot;الاطلسيةquot; ممكن ضده؟