لندن


انتهت المرحلة الاولى من الجولة الثالثة والاخيرة من الانتخابات البرلمانية المصرية بحصول حركة الاخوان على حوالى 35' من اصوات الناخبين، وهي نسبة مرشحة للارتفاع مما يؤكد ان الحركة الى جانب التيار السلفي سيسيطرون على حوالى 65 في المئة من مقاعد البرلمان، مما يعني انهم سيشكلون الحكومة، وسيكونون القوة الاكبر التي تتحكم بسلطة اتخاذ القرار في البلاد.
في ظل هذا الواقع، وجدت الولايات المتحدة الامريكية نفسها مضطرة، بل مكرهة، على التخلي عن مقاطعتها للاسلام السياسي التي تمسكت بها طوال ثلاثين عاما من حكم الرئيس حسني مبارك، رغم ان حركة الاخوان التي تتزعم هذا التيار تخلت عن العمل المسلح منذ عقود.
جيفري فيلتمان مساعد وزيرة الخارجية الامريكية حط الرحال في القاهرة لتدشين الاتصالات مع حركة الاخوان المسلمين، وفيلتمان هذا الذي يعتبر من اكثر المدافعين عن اسرائيل كان الهدف من زيارته الاطمئنان ليس على مستقبل العلاقات المصرية ـ الاسرائيلية بعد سقوط نظام حسني مبارك، وانما الاطمئنان على مستقبل اتفاقات كامب ديفيد.
موقف حركة الاخوان من هذه الاتفاقات كان يتسم بالغموض، فتارة يقول المتحدثون باسم الحركة انهم سيحترمون هذه الاتفاقات، وتارة اخرى يؤكدون انهم سيعرضونها على الشعب في استفتاء عام لتحديد موقف منها.
هذا الغموض جاء متعمدا لطمأنة الولايات المتحدة وقوى خارجية اخرى، لاعطاء الحركة كل الاولوية للانتخابات البرلمانية، والقضايا المحلية التي تشغل المواطن المصري مثل تحسين الظروف المعيشية، وتوفير الوظائف لملايين العاطلين عن العمل، والحفاظ على الاستثمارات الاجنبية الموجودة، وتشجيع المزيد منها.
الآن وبعد ان انتهت الانتخابات رسميا، وتأكد فوز التيارات الاسلامية وحلفائها في اكثر من ثلثي المقاعد في البرلمان الجديد بات مطلوبا من الحركة ان تنتقل من مرحلة 'الغموض' الى الصراحة والوضوح تجاه اتفاقات كامب ديفيد، والعلاقة المصرية ـ الاسرائيلية بشكل عام.
حركة الاخوان المسلمين استمدت شعبيتها ومكانتها الابرز في الشارعين المصري والعربي من خلال معاداتها للتغول الاسرائيلي، واحتلال الاراضي العربية، وتهويد المقدسات الاسلامية في مدينة القدس المحتلة، وموقف قيادتها الحالي ما زال بعيدا عن الثوابت الرئيسية للحركة.
وربما يفيد التذكير بان الشيخ حسن البنا مؤسس الحركة ارسل جيشا من اكثر من عشرة آلاف متطوع الى فلسطين عام 1948 للتصدي للمشروع اليهودي الرامي الى احتلالها وطرد سكانها العرب والمسلمين، كما ان الحركة ارسلت المقاتلين لمواجهة البريطانيين في السويس في حرب عصابات شرسة وقع فيها آلاف الضحايا.
اتفاقات كامب ديفيد شكلت وما زالت وصمة عار في تاريخ الامة الاسلامية باسرها، وابعدت مصر عن دورها الريادي ومكانتها المتميزة في العالمين العربي والاسلامي، ولذلك يجب اتخاذ موقف حازم تجاهها، وطرحها على استفتاء شعبي ربما يكون الخيار الافضل والاسلم، ولا نقول ان هذا الاستفتاء يجب ان يتم غدا او بعد غد، ولكن لا بد من وضعه كنقطة اساسية في برنامج الحركة وحكومتها المقبلة.
الحركة يجب ان لا تطمئن الامريكيين والاسرائيليين بل ان تزيد قلقهم واضطرابهم، لانهم لم يحترموها او يهادنوها بل هم تواطأوا مع نظام الرئيس مبارك لقمعها ومنع اي اتصالات معها، وتحجيم دورها في الحياة السياسية المصرية. فهدف الحركة، مثلها مثل كل الحركات الاسلامية الاخرى هو طمأنة المواطن المصري، والتمسك بثوابت العقيدة الاسلامية في محاربة المعتدين المحتلين للارض والمقدسات، وعلى اساس هذه الثوابت، وبسبب التمسك بها اعطاها المواطن المصري ثقته وبالتالي صوته.