كامران قره داغي

ليس بالضرورة أن يُفهم القصد من السؤال أن العراق الى زوال بعد 2014. لا أحد يملك كرة بلورية سحرية تخبره بالمستقبل، ولكن يجوز الاستنتاج في ضوء الوضع الراهن وإشكالاته وتطوراته، وهو وضع سيء، أنه باق على حاله للسنتين المقبلتين. ولعل المضحك المبكي يتمثل في أن هذا الوضع يبدو laquo;الحلraquo; الوحيد الممكن في هذه المرحلة حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

ولكن لماذا 2014 تحديداً؟ لأنه الموعد الذي ستُجرى فيه الانتخابات البرلمانية المقبلة. بعبارة أخرى في حال عجز اللاعبون الرئيسيون في العملية السياسية عن التوصل الى اتفاق يخرج البلد من أزمته الحالية، قد يواصلون اللعب على الحبال ذاتها حتى ذلك الحين، على أمل أن يأتي الفرج في صورة نتائج انتخابية تختلف عن نتائج الانتخابات الأخيرة في 2010.

هؤلاء اللاعبون ظلوا يلعبون طوال عشرة اشهر بعد تلك الانتخابات قبل أن يتفقوا في اطار مبادرة لرئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني على تشكيل حكومة وصفوها بأنها حكومة laquo;مشاركة وطنيةraquo;، وهي لم تكن كذلك بالمعنى الصحيح. فقد ظلت عرجاء حتى قادت أخيراً الى الأزمة الحالية التي من سماتها أن laquo;الحكومةraquo; اتهمت نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي بالإرهاب متمثلاً في محاولة اغتيال رئيس الوزراء نوري المالكي. وفيما لجأ الأول الى اقليم كردستان ضيفاً على رئيسي الجمهورية والإقليم، اعتبرته بغداد فاراً من العدالة واستحصلت على قرار قضائي باعتقاله بغية محاكمته! تلت ذلك تداعيات منها أن كتلة laquo;العراقيةraquo;، التي يتزعمها رئيس الوزراء السابق اياد علاوي وينتمي اليها الهاشمي، قررت مقاطعة اجتماعات مجلس الوزراء والبرلمان طارحة طلبات على laquo;حليفتهاraquo; في الحكم، laquo;دولة القانونraquo; (بزعامة المالكي)، شرطاً لتراجعها عن قرار المقاطعة. في الأثناء، تدهور الوضع الأمني وشهدت بغداد تفجيرات أسفرت عن سقوط مئات من القتلى والجرحى، وهي ظاهرة باتت ترافق الأزمات السياسية، بالتالي تفاقمها.

وإذ بلغ السيل الزبى، كما يُقال، تدخل هذه المرة الرئيس جلال طالباني مدعوماً من بارزاني ومعظم القيادات السياسية العراقية في مبادرة جديدة لعقد مؤتمر وطني هدفه ايجاد مخرج من الأزمة. هذا المؤتمر كان محوراً لافتتاحية صحيفة laquo;العدالةraquo;، التي تنطق باسم laquo;المجلس الإسلامي الأعلىraquo; شريك laquo;دولة القانونraquo; في اطار كتلة laquo;التحالف الوطنيraquo;، ووقّعها النائب السابق لرئيس الجمهورية عادل عبد المهدي، وهو قيادي بارز في المجلس ورئيس تحرير الصحيفة.

وعبد المهدي يرى ان الجميع أمام ثلاثة احتمالات: المراوحة أو التراجع أو التقدم، مضيفاً أن الحالين الأولى والثانية تعنيان الخسارة والثالثة تعني الربح. وواضح أن التقدم هو المرتجى الأمثل. فتحقيقه يعني البدء بإخراج العملية السياسية من عنق الزجــاجة. ويُفترض أن مشاورات ستُجرى اليوم الأحد في بغداد تمهيداً لعقد المؤتمر وذلك لمناقشة مسهبة، كما قيل، للنقاط المتعلقة بعقد المؤتمر وأجندته. فهذه ما زالت موضع جدل واختلاف.

laquo;العراقيةraquo; تريد أن يتضمن جدول الأعمال قضيتي ممثليها في الحكم الهاشمي ونائب رئيس الوزراء صالح المطلك الذي أمر المالكي بمنعه من العمل والدخول الى مكتبه الرسمي، فيما ترفض كتلة laquo;التحالف الوطنيraquo; هذا الطلب على اساس أن القضيتين اصبحتا في يد القضاء. وكان المالكي اتخذ القرار ضد المطلك بعدما شن الأخير هجوماً عنيفاً عليه واصفاً إياه بأنه ديكتاتور أسوأ من صدام.

الى ذلك هناك خلاف على مكان المؤتمر. رئاسة اقليم كردستان تريد عقده في أربيل وإلا فإن بارزاني لن يشارك فيه شخصياً في حال عقد في بغداد. كما أن علاوي أيضاً يتحفظ عن المشاركة شخصياً في بغداد، خصوصاً انه لا يبدو متفائلاً في أي حال، لذا دعا مسبقاً الى laquo;تسميةraquo; رئيس وزراء جديد يكون بديلاً من المالكي أو إجراء انتخابات مبكرة في حال فشل المؤتمر.

ما سلف هو غيض من فيض. وفي ظل laquo;استمرار الخلافات وغياب المشتركاتraquo;، وفق تعبير النائب الكردي محمود عثمان، فإن التفاؤل باحتمال التقدم هو من باب التمنيات ليس إلا.

هنا يطرح نفسه السؤال: هل يسع المشاركين في المؤتمر المرتقب، في حال عقده، أن يخرجوا منه متراجعين، أي خاسرين، الأمر الذي من شأنه، في رأي عبد المهدي، أن يؤدي الى laquo;تداعيات خطرة منها الاحتراب والتدهور الأمني والتدخل الإقليمي، بل التدويل، والتقسيم الواقعي أو القانونيraquo;؟ هنا يجوز افتراض أن الأطراف المعنية لن تسمح بسيناريو كهذا، أقله لاعتبارات مصلحية بحتة.

وفي هذه الحال لا يبقى سوى الاحتمال الأول الذي اشار اليه عبد المهدي وهو المراوحة، وتفسيرها - من وجهة نظره - أن يخرج المؤتمر laquo;بنتائج باهتة، ومعنى ذلك البقاء في دوامة الأزمة. فأطراف قد لا ترى أي أزمة تستدعي الحل، وترى أخرى أن الازمة تخدمها فتسعى الى التسويف والتصعيدraquo;.

قصارى القول ان اللاعبين الرئيسين يمكنهم الاستمرار في المراوغة والكر والفر وشد الحبل من دون أن يسعى أي منهم الى التنفيذ الفعلي لتهديداته بتوجيه الضربة القاضية لإسقاط العملية السياسية. أليس هذا ما يحدث عملياً منذ تسع سنوات؟ ما الضير في ممارسة التسويف والتصعيد سنتين أخريين؟ بعبارة أخرى لعل أقصى ما يمكن التفاؤل به هو أن laquo;ينجحraquo; المؤتمر المرتقب في منع تردي وضع سيء الى ما هو أسوأ.

هنا يطرح السؤال: ماذا سيحدث بعد 2014؟ هذا بافتراض أن العراق يستطيع البقاء على حاله حتى ذلك الوقت.