سمر المقرن
بشار الأسد يختزل سوريا في شخصه، فمن يطالبه بإيقاف المجازر التي يقوم بها هو وجيشه وشبيحته يوميا بحق أبناء سوريا، فهذا في نظره يتدخل في الشأن السوري. ومن يطلب منه تفويض صلاحياته من أجل تشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك فيها السلطة والمعارضة، فهذا في نظره متآمر على سوريا وعلى الشعب السوري وعلى العروبة وعلى كل شيء!
بشار الأسد، ومنذ بداية الثورة السورية ومن يتابع خطاباته الأربعة، وخطاب إعلامه وأتباعه، سيجد لغة (الأنا) بنبرة مرتفعة، وصوتٍ عالي بضجيج لا يسمعه أحد سواه. الشعب السوري قال كلمته، والجامعة العربية ووزراء الخارجية العرب، تعاملوا مع الموقف بصبر وطولة بال، وبشار الأسد لا زال يكرر laquo;لن يثنينا أحد عن المضي في الإصلاحاتraquo;.. أي إصلاحات تلك التي أغرقت الشوارع بالدماء، وأي أحزاب سياسية تلك التي يريد أن يقوم بتكوينها، وأي معارضة تلك التي سيسمح لها بالحديث وانتقاد أي خلل، فما بالك بتأسيس كيان معارضة متكامل في الداخل، هل يلعب علينا بشار، أم يلعب على الشعب السوري، أم يلعب على نفسه؟
منذ بداية الثورة السورية، في مارس من العام الماضي، وجه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، خطابا للنظام السوري يطالبه بالإصلاحات الفورية وعدم التلكؤ وذلك لامتصاص الغضب الشعبي وحتى لا تتسع الهوة، إلا أن النظام استمر مستخدما أسلوب أسلافه في إراقة الدماء، وانتهاك إنسانية الشرفاء، ولم يستثنِ لا عجوزًا ولا امرأة ولا طفلا، بل تفنن في أساليب القتل من خلع الحناجر وبتر الأعضاء، وقص الرؤوس بالسيوف وهي ساجدة على صوره. وبعد هذا كله، وبعد أن صار كل بيت سوري مجروحاً مما فعل به النظام أو بأحد أفراد أسرته أو أقاربه أو جيرانه، يخرج ويردد أنه مستمر في الإصلاح، والدفع بعجلة التنمية، فيصفق له الشبيحة، فيهز رأسه في زهو وفرح. والشعب قال كلمته، ولم يعد بإمكانه ردم جراحه المتراكمة، بعد أن صفح عن أبيه وعمه، يريده أن يصفح عنه، ويبدأ يوماً جديداً بصفحة جديدة. معتقداً أن الشعب السوري هو نفسه الذي سكت وكتم جراحه ما بين التشرد خارج وطنه، وبين الفقر، بعد مجازر أبيه وعمه، ناسياً بشار الأسد، أو متناسياً أن الشعب تغيّر، وأن ثورة الشباب لن يوقفها آخر قطرة دم سورية في سبيل التحرر من جاثوم ظل كاتماً على وطنهم وخيراته لعقود طويلة.
لو كان الشعب السوري، سيستسلم أمام أي مصالحة، وسيصدق مزاعم الإصلاح والتغيير، وأكثرها مثيراً للضحك هو قوله بإنشاء الأحزاب السياسية، لحصل هذا قبل أشهر. وكأن السوريون والعالم كله لا يعلمون عن النظام البوليسي الصارم الذي قد يودي بحياة من يقول laquo;نكتةraquo; فيها جانب سياسي، وقبل أن يُقتل سيمر على دروب الاعتقال وحفلات التعذيب، والإهانة، والإجرام، الذي يفوق مدارك أي شخص يسمع عن وصف هذه الجرائم في الداخل السوري، مع أني على يقين بأن ما خرج على السطح لا يُمثل شيئاً من الحقائق المؤلمة، وغداً حينما يزول النظام الأسدي ستخرج الوثائق التي ظلت مختبئة تحت ركام التخويف والتعذيب، وسيراها الملأ كما هي.
لا أدري عن أي إصلاحات، وعن أي تغييرات يتحدث بشار الأسد، ولمن يتحدث، ومن الذي يستجيب؟ حديثه ورفضه للمطالب الشعبية، والمطالب العربية، ونداءات القادة العرب الذين لم يسلموا من اتهاماته، كل هذا يدل أن بشار الأسد وإصلاحاته وأحزابه السياسية مع نفسه!
التعليقات