خالد عبدالرحيم السيد

طرحت الجامعة العربية هذا الأسبوع مبادرة لتسوية الأزمة السورية ووضع حد للعنف هناك، وذلك من خلال حث الرئيس السوري بشار الأسد على التنحي، و quot;تفويض صلاحياته إلى نائبه لتسهيل مهمة تشكيل حكومة وحدة وطنيةquot;. وقالت الجامعة أيضا إنها سوف تتوجه إلى مجلس الأمن، وألمحت إلى إمكانية فرض مزيد من العقوبات على سوريا.
وجاء الرد السوري برفض مبادرة الجامعة العربية واعتبروا أنها quot;تشكل تهديداً لسيادتها الوطنية، وتدخلاً سافراً في شؤونها الداخلية وانتهاكاً صريحاً للأهداف التي أنشئت من أجلها جامعة الدول العربية، وخرقاً واضحاً للمادة الثامنة من ميثاقهاquot;.
ومن ناحية أخرى، أكد معالي رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني أن الخطة السورية quot; quot;تشابه نوعا ما المبادرة الخليجية في اليمنquot;، والتي نتج عنها موافقة علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية على التنحي.
وهذا التشابه يشير إلى أن مبادرة جامعة الدول العربية بشأن سوريا قد تمت بقرار ودعم من المملكة العربية السعودية التي ألقت بكامل ثقلها في هذه المبادرة، وهي شبيهة بالمبادرة الخليجية الخاصة بالوضع في اليمن، في حين انسحبت قطر من المبادرة الخليجية. كذلك تلك الحقيقة المؤكدة بأن جميع الدول العربية باستثناء لبنان، والجزائر التي أبدت تحفظاً على أحد بنود المبادرة والمتمثل في إبلاغ مجلس الأمن لدعم الخطة العربية مما جعل سوريا تكيل الاتهامات للمملكة العربية السعودية بأنها قد مارست ضغوطا على الدول العربية. وعلاوة على ذلك، فإن العراق الذي اعتاد على الامتناع عن التصويت بشأن كل التوصيات السابقة الخاصة بالأزمة السورية، قد غيّر من موقفه وسياسته القديمة ووافق كذلك على مبادرة الجامعة العربية. ومع ذلك، فإن الوضع في سوريا يختلف اختلافا شاسعا عن ذلك الذي باليمن.
فمن جانب، فقد رفض الرئيس السوري الخطة بينما وافق عليها الرئيس اليمني، أحد أسباب ذلك هو أن الرئيس علي عبدالله صالح لم يكن يتمتع بدعم دولي قوي في حين أن سوريا تحظى بدعم كل من إيران وروسيا، كما أن الرئيس اليمني كان قد خسر دعم حميد الأحمر، الشخصية ذات النفوذ السياسي المؤثر، وذلك مع بداية انتفاضة الربيع العربي في البلاد.
أضف إلى ذلك الضغط المستمر من جانب المملكة العربية السعودية والمجتمع الدولي، بجانب محاولة الاغتيال التي تعرض لها والتي أصيب على إثرها بجروح خطيرة في انفجار القنبلة التي زرعت في المسجد الرئاسي، تعتبر من الأسباب التي جعلت علي عبدالله صالح يضطر لقبول شروط المبادرة الخليجية، فهو لم يكن لديه خيار آخر خاصة بعد محاولة اغتياله تلك والتي كانت قاب قوسين أو أدنى من النجاح.
أما ما يحدث في سوريا فهو مختلف، فحتى هذه اللحظة، ما زال القمع العنيف ضد المتظاهرين هناك مستمر، رغم وجود مراقبي الجامعة العربية.
وقال وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب بشأن سوريا هذا الأسبوع، أن المملكة قد قامت بسحب مراقبيها من بعثة المراقبين العرب quot;لعدم تنفيذ الحكومة السورية لأي من عناصر خطة الحل العربي التي تهدف أساساً لحقن الدماء الغالية علينا جميعاًquot;.
ورغم الاحتجاجات في سوريا، إلا أن الرئيس الأسد ما زال يتمتع بدعم شعبي وسند داخلي، كما أن شقيقه ماهر الأسد ما زال يحظى بسيطرته ونفوذه على الجيش السوري.
وقد ذكرنا في مقالاتنا السابقة بأن الوضع في سوريا ذاهب إلى مفترق طريق، وحتى اللحظة لا أحد يعلم في أي اتجاه ستمضي الأوضاع، فالاحتمال الأول هو أن يتنحى الرئيس الأسد ويقوم بالتالي بتسليم السلطة إلى حكومة وحدة وطنية، أو أن يعاند ويبقى في السلطة فتشتعل حرباً أهلية بين مختلف المجموعات.
أوضح معالي الشيخ حمد بن جاسم أن الاقتراح السابق من قِبل صاحب السمو أمير البلاد المفدى لإرسال قوات حفظ سلام، إنما هو نتيجة لأعمال العنف التي تشهدها سوريا بسبب الاستخدام المفرط والطويل الأمد للقوة من قبل قوات النظام السوري، والذي أجبر جزءا من الشعب على حمل السلاح والمواجهة من أجل الدفاع عن أنفسهم.
وأضاف معالي رئيس الوزراء: quot;أنا أعلم أن هذه فكرة متقدمة لأنها ستكون هي المرة الأولى التي تقوم فيها الجامعة العربية بإرسال قوة لحفظ السلام إلى بلد عربيquot;. وأشار أيضا إلى نموذج قوات الردع العربية التي تم إرسالها إلى لبنان خلال الحرب الأهلية.
فإذا اتخذ النظام السوري قراره بالذهاب إلى حرب أهلية، فإن الحكومة السورية سوف تضعف وسيكون وضعها مماثلا لما حدث في لبنان عام 1976، عندما قامت الدول العربية بإنشاء قوات تدخل سريع سُميَّت بقوات الردع العربية، التي تألفت آنذاك من قوات من سوريا والسعودية والسودان والإمارات وليبيا، بناء على طلب من الرئيس اللبناني الأسبق سليمان فرنجية، بسبب تصاعد الحرب الأهلية في البلاد وقتها، ولكن المعادلة مختلفة في سوريا.
وخلال مؤتمر صحفي مشترك لمعالي الشيخ حمد بن جاسم، والدكتور نبيل العربي، قام مراسل لمحطة تليفزيون quot;سوريا الغدquot; بتوجيه سؤال لمعالي الشيخ حمد بن جاسم قائلاً: quot;إن الشعب السوري قالها بوضوح إنه يريد إعدام الرئيس ويريد إسقاط النظام..quot;.
فقام الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي بمقاطعته ساخراً: quot;حسنا، اذهب واعدمهquot; في حين أن معالي رئيس الوزراء قاطعه قائلاً: quot;ومن الذي يمنعكم من إسقاط النظام؟quot;.
كل هذه التعليقات تشير فيما يبدو إلى أن الوضع في سوريا على حافة حرب أهلية، وأن العنف سوف يستمر، وأن مختلف الفصائل السورية ستتقاتل للتنافس على السلطة في البلاد.
ومن أجل منع حدوث ذلك، ينبغي للبلدان التي تدعم سوريا، مثل إيران وروسيا، أن تمارس مزيداً من الضغط على الرئيس الأسد للتنحي لتجنب حرب أهلية دامية.
وبخصوص موقف كل من إيران وروسيا بخصوص الأزمة في سوريا، دعا معالي رئيس مجلس وزراء قطر، روسيا لتبني الحل العربي للأزمة السورية، وقال مشيراً إلى أن موسكو كانت قد طلبت في وقت سابق حلاً عربياً للأزمة: quot;أن قرارات روسيا محترمة وهي تعلم أنها طلبت تدخلا عربياquot;، وتمنى كذلك أن تتماشى رغبات روسيا مع رغبات العالم العربي. كما دعا إيران إلى اتخاذ القرار الصحيح بشأن سوريا قائلاً: quot;يربطنا بإيران تاريخ وعلاقاتquot;، وتمنى أن يكون تدخلها لمصلحة الشعب السوري.
فلذلك ينبغي على الأسد التفكير في مبادرة الجامعة العربية والنظر إليها بعين الاعتبار، فهذه المبادرة ربما تكون طريقه الوحيد للخروج من هذا الوضع المزري والمتدهور، ليس فقط بالنسبة له هو أو لأسرته - التي ستفقد الكثير إذا ما ذهب الاتجاه في سوريا نحو حرب أهلية - ولكن من أجل المواطنين السوريين الذين سيعانون كثيراً، ولا شك أن قيام حرب أهلية سيتسبب في انتكاسة كبيرة بالنسبة لاقتصاد البلاد الذي ربما يستغرق وقتا طويلا لكي يتعافى.
نأمل ألا يأتي ذلك اليوم الذي تعقد فيه جامعة الدول العربية اجتماعا آخر لإرسال قوات الردع العربية إلى سوريا بسبب الحرب الأهلية، يجب على الأسد أن يقبل بمبادرة الجامعة العربية وأن يتنحّى لمصلحة بلده وشعبه.