عثمان ميرغني
ردود الفعل على المبادرة العربية الأخيرة توحي بأن الأزمة السورية مقبلة على أشهر عصيبة ومزيد من التصعيد في دوامة العنف والقتل والقمع. فالنظام أعلن رفضه القاطع للمبادرة، واعتبرها تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية، وهناك الكثير من المؤشرات على أنه يستجمع طاقاته ويعزز ترسانته استعدادا لانقضاض واسع على الاحتجاجات في أول سانحة. النظام لم يتزحزح أصلا عن موقفه في التعامل مع الانتفاضة على أنها مؤامرة، ومع أبناء الشعب المشاركين فيها على أنهم إرهابيون، وهو الموقف الذي أكده وزير الخارجية، وليد المعلم، في رسالة إلى الأمين العام للجامعة العربية عشية اجتماعها الأخير قال فيها إن الحكومة ستواجه الأعمال الإرهابية بالقوة. هذه هي العقلية السائدة التي تجعل من الصعب تصديق أن النظام يريد التجاوب مع مطالب الشعب أو إنجاز تغييرات حقيقية يمكن أن تؤدي إلى إزاحته من السلطة، وهي العقلية التي جعلته يهاجم ويرفض مبادرة الجامعة الأخيرة بمجرد صدورها.
على الجانب المقابل، تبدو المعارضة السورية، في غالبيتها، متشككة في التحركات العربية، وغير مقتنعة بأن الجامعة تملك القدرة على التدخل الفاعل أو إجبار النظام في دمشق على القبول بمقترحاتها. بل إن قسما منها هاجم الجامعة العربية علنا، واتهمها بأنها تقف في صف النظام السوري، قائلا إن الشعب فقد الثقة فيها لأن كل تحركاتها ومبادراتها لا تفعل شيئا سوى شراء المزيد من الوقت للنظام لكي يواصل سياسة القتل والقمع.
في ظل هذا الوضع، إلى أين ستتجه الأزمة السورية؟
هناك طريقان محتملان كلاهما شائك ومعقد وباهظ الثمن: التدويل أو الحرب الأهلية. صحيح أن كل الأطراف تؤكد رفضها سيناريو الحرب الأهلية وتحذر منه، لكن ما أسهل الانجرار إلى مثل هذه الحرب إذا تواصل الجمود وتصاعد العنف واستمر تدفق السلاح. فالعنف كان السبب وراء انشقاقات الضباط والجنود الذين رفضوا بدايةً تنفيذ أوامر قتل المدنيين ومهاجمة المدن، ومع تواصل عمليات القمع والقتل قرروا المقاومة والتصدي للسلاح بالسلاح. ومثلما حدث في ليبيا فإن هناك شبابا سينضمون إلى التشكيلات المسلحة لحماية المدن والمدنيين، ولمقاومة النظام، وتدريجيا تأخذ الانتفاضة طابعا عسكريا، ولو مكرهة؛ لأنه كلما تأخرت الحلول تراجعت فرص سلمية الانتفاضة، وهو ما نرى بوادره على الأرض اليوم.
الاحتمال الآخر، وهو التدخل الدولي، لا يخلو من التعقيدات، وإن كانت التحركات الراهنة كلها تدفع في اتجاهه. فالنظام، بمواصلته القمع والقتل، يدفع الأمور في هذا الاتجاه، والمعارضة، بعدم اقتناعها بجدوى التحركات العربية وفعاليتها، تطالب بدفع الملف إلى مجلس الأمن، كذلك فإن المبادرة العربية الأخيرة تبدو وكأنها تدفع بالأزمة أيضا في هذا الاتجاه. فالمتمعن في مبادرة الجامعة يمكن أن يلاحظ ثلاثة أشياء ربما كانت في ذهن من صاغوها، الأول هو: محاولة إحداث شق أو إرباك داخل النظام من خلال رمي طوق نجاة شبيه بسيناريو الحل اليمني، وذلك باقتراح تفويض الرئيس نائبه صلاحيات كاملة لكي يتعاون مع حكومة وحدة وطنية تشكل خلال شهرين وتكون مهمتها الإعداد لانتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف عربي ودولي، وفي الوقت ذاته تطالب المبادرة بضمان حرية التظاهر السلمي بجميع أشكاله لكي يستمر الضغط على النظام. الأمر الثاني هو: التمهيد لدفع الأزمة نحو مجلس الأمن، من خلال إطلاعه على مبادرة البنود السبعة وطلب دعمه لها، وبالتالي تهيئة الأرضية لصدور قرارات منه إذا رفضها النظام السوري، وهو الأمر الذي كان، بلا شك، متوقعا لمن صاغوا المبادرة. أما الأمر الثالث فهو أن المبادرة بدفعها الأمور في اتجاه مجلس الأمن تساعد، في الواقع، المعارضة السورية على تجاوز الحرج الذي تشعر به في مطالبتها بالتدخل الدولي. فكل من استمع إلى قادة المعارضة يتحدثون عن التدخل الدولي، أحس، بلا شك، بحرجهم من خلال اللغة المبهمة والعبارات المطاطية التي يستخدمونها عن طبيعة التدخل الدولي الذي ينادون به؛ ذلك أنهم لا يريدون أن يتهمهم أحد بأنهم يجلبون التدخل الدولي إلى بلدهم ويفرطون في سيادته.
الأزمة إذن باتت في طريقها إلى مجلس الأمن، لكن هل من حل سريع؟ بالتأكيد ليس هناك حل دولي لمعالجة الأزمة السورية في أربع وعشرين ساعة، مهما كانت طبيعة الخطوات التي سيتخذها مجلس الأمن، ومهما كان أمل الذين يعولون على هذا الحل. فالموقفان الروسي والصيني سيقفان عقبة أمام صدور قرارات سريعة من مجلس الأمن، مما سيعني المقايضات والمفاوضات الطويلة المعتادة للوصول إلى صيغ مقبولة للقرارات التي يمكن أن يتبناها المجلس ولا تواجَه بـlaquo;فيتوraquo; من أحد الأطراف. الأمر الآخر أن هذا العام هو عام الانتخابات الدولية بامتياز من روسيا إلى فرنسا والولايات المتحدة، مما سيعني دخول الحسابات الانتخابية في المواقف السياسية، مما قد يؤدي إلى المزيد من التعقيد والتأخير في أي قرارات دولية باتجاه سوريا.
من هنا، فإن الذين هاجموا الجامعة العربية وقالوا إنها تشتري وقتا للنظام السوري لكي يقتل المزيد من مواطنيه، يبدون وكأنهم يسوقون للناس أملا كاذبا في قرارات سحرية سريعة من مجلس الأمن. فالحقيقة المؤلمة أنه ليس هناك من حل سريع، وكما تعلمنا من التجربة الليبية فإن التدخل الدولي، إن حدث، يأخذ وقتا طويلا، ويجلب معه تعقيدات من نوع آخر؛ لأنه قد يزيح النظام لكنه لا يعالج كل التبعات والمشاكل العالقة.
تبقى نقطة أخيرة، هي أن الثورات العربية التي حُسمت داخليا، ومن دون تدخل خارجي، انتهت سريعا، أما الانتفاضات والثورات التي انتظرت واحتاجت إلى تدخل خارجي فقد طالت معاناتها وزاد عدد ضحاياها. والعبرة من ذلك، للذين يقومون بانتفاضات أو ثورات، أنه لا يمكنهم التعويل على تدخل خارجي لاستكمال عملهم، إلا إذا كانوا مستعدين لمعاناة طويلة ودفع ثمن باهظ؛ فالتغيير يستحسن دائما أن يتم داخليا وبسواعد الشعب لا بأيدٍ خارجية، والثمن سيكون أقل، مهما بدا كبيرا.
التعليقات