المؤشرات كما يرى مراقبون مهتمون بالشان السوري ترشِّح سوريا لحرب أهلية، وهو أمر طالما حذّر منه سوريون بالدرجة الأولى، سواء كانوا حكاما أومحكومين، حتى على مستوى الحديث الشعبي العام في بلاد الشام، كذلك محللون سياسيون عرب وأجانب، مع نظام الحكم وضده.
لماذا؟
الأسباب كثيرة، لان هذه الحرب إذا نشبت حقا وبمعناها المعروف، في سوريا، ستكون بين طوائف، وهذه الطوائف تاريخياً تملك تراثاً مثيراً للغاية بسبب العلاقات غير المستقرة بينها، وهناك (حقد) متبادل بين هذه الطوائف غذتها طموحات رموزها ورجالها بشكل وآخر، طمعاً وجهلاً وتعنتا، ومما يزيد من نيران الخطر هنا بالذات، إن هناك دولاً اقليمية مجاورة وغير مجاورة، تصطف مع هذا الطرف أو ذاك، لأي سبب كان، خاصة في ظل احتدام التشاحن الطائفي الذي بات يلقي بظلاله الكثيفة المخيفة على كل المنطقة، حتى تحوَّل إلى احتدام أنظمة وشعوب وأحزاب وعشائر، وليس احتدام مفردات عابرة، احتدام تتسارع وتيرته بمنسوب عال، تشحنه بالزاد خلافات عقدية تبرز بمناسبة وغير مناسبة، ومنها وجود تقاسم مذهبي في كثير من مناطق البلد، فهذه الخاصَّة مزعجة ومؤذية في عالم العرب والمسلمين، فيما نشبت حرب أهلية تساهم بدرجة فاعلة مضاعفات هذه الحرب، تطيلها، وتجعلها اشبه بالمصيرية، فالتنوع المذهبي والعرقي في بلاد الاثنيات مشكلة كبيرة بحد ذاته، فكيف مع ظروف الحرب الاهلية لا سامح الله ولاقدر، ونظرة لما يحصل اليوم في حمص وغيرها من المدن في سوريا تؤكد ذلك، ومن الطبيعي فيما تنشب حرب أهلية في منطقة مختلطفة مذهبيا وعرقيا في دولةٍ ما يفسح المجال لامتدادها الى مناطق مماثلة في هذه الدولة، ومنها أن سوريا بلد مساحته ليست بالكبيرة، الحرب الاهلية فيها ـ لا سامح الله ـ تحرق الاخضر واليابس، مساحة تكاد تكون مفتوحة إلاّ ما ندر، ومنها أن كلا الطرفين في هذه الحرب فيما إذا حصلت يملكُ ما يمدُّه بالاستمرار والديمومة،بصرف النظر عن طبيعة عناصر الاستمداد والقوة والديمومة، ذاتية موضوعية، أو تأتي من خارج الطائفة أو المذهب، ومنها أن المعركة لم تكن بين معارضة وحكومة، فليس سرّا أن الجيش السوري يشهد انشقاقات مستمرة، تسميها الحكومة السورية بتمردات طارئة، ومهما كان وصفها وعنوانها فإنها تصب في صالح امكان نشوب هذه الحرب، والاخبار تفيد أن هؤلاءالمنشقين بلغة المعارضة أوالمتمردين بلغة الحكومة دخلت فعلا في حرب مع الجيش الرسمي، ومنها أن الاوضاع وصلت بطبيعتها إلى منطق اللاعودة، فاي علاقة سوف تسود أطياف الشعب السوري بعد كل هذا الذي حصل؟ وأي تفاهم يمكن أن يتحقق بعد كل هذه الدماء الغزيرة التي أريقت من الجانبين؟ وأي ثقة يمكن أن تتجدد بين هذه الاطياف ولغة القتل الجماعي اصبحت قانون يومي في سوريا الدامية؟
هل حقا أن سوريا مرشحة لحرب أهلية كما يتوقع هؤلاء المراقبون المهتمون بالشان السوري؟
الوضع في سوريا أصبح معقدا للغاية، حكومة متمسكة بمصيرها وسياستها، ومعارضة مصرَّة على مطالبها، وجوهر المطالب إسقاط النظام، أي، ليس هناك نقطة وسط، تاليا، إن النتيجة التي تترتب على هذا هو استمرار الوضع المأساوي الحالي، ثم ـ وهذا ربما الاخطر ـ التدخل الدولي والاقليمي الصريح في عمق الازمة، فهناك اصطفاف دولي وأقليمي منقسم بعمق تجاه طرفي الازمة، انقسام علني صريح بل وصفيق، والدعم العلني لهذا الطرف أو ذاك من قبل هذا النظام أو ذاك، وهذه الدولة الكبرى أو تلك، ربما يشف عن دعم خفي مكثَّف، أي سلاح وأموال ومعلومات كلاً أو بعضا، بل هو الذي يحصل فعلا كما يرى المراقبون ذاتهم، وهذه الصورة المكثفة للواقع ترجِّح احتمال نشوب هذه الحرب.
ولكن أين دورالجامعة العربية؟
الجامعة العربية هي الاخرى منقسمة، ومثل هذا الانقسام يجعل الازمة مستمرة، إذْ لا حلَّ في الأُفق، وقد دخلت الجامعة العربية بكل ثقلها، وكانت الكفَّة الراجحة لصالح المعارضة والرافضين، ولكنَّها دخلت في مسارب المساومات الخلفية، وكان لعامل الخوف من نتائج سقوط النظام أثر في توجه بعض أعضاء الجامعة، وليس معلوما ولا متأكدا إن مهمة المراقبين سوف تنجح، بل إن الاصرار على التقاتل بين طرفي الازمة يلغي مهمة الجامعة هذه في النتيجة...
ولكن هل حقا أن سوريا لم تدخل دوامة الحرب الاهلية؟
وسؤال أكثر موضوعية وعقلانية...
أليست هي بدايات حرب أهلية؟
مهما كان الجواب، فإن حربا أهلية في سوريا، البلد الصغير، الفقير بالموارد الاقتصادية، المتاخم لدول جوار منقسمة تجاه طرفي أزمته، باي معنى كانت، وباي مساحة كانت، هي خسارة للشعب السوري بكل مكوناته، ومشكلة كبيرة لكل العرب... بل كارثة بكل معنى الكلمة لهذه الامة،وذاك محل اتفاق كثير من المحللين السياسيين.
وسؤالي الأخير...
أين العقلاء من الطرفين؟
يبدو أن منطق العقل مات عندنا نحن العرب.