لقى القرار الامريكي بالاطاحة بنظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين سنة 2003 تجاوبا وتأييدا بصورة واخرى من لدن شيعة العراق وأكراده، ولم يكن ذلك من وراء حجاب، بل علنا وإنْ بصورة وأخرى، وحينها شنت القوى السنية في العراق والعالم العربي والاسلامي بشكل عام هجومها اللاذع على الموقف الشيعي الكردي العراقي من القرار الامريكي، متهمة أياهما بالعمالة والخيانة، وقد اقترن الهجوم في كثير من مفاصله بسرد قصص وحكايات عن خيانات شيعية وكردية عبر تاريخ طويل وطويل!
الهجوم السني كان قاسيا، وقد خُصِّصت له برامج وندوات ولقاءات عالمية وأقليمية عبر كل وسائل الاعلام المنظورة والمسموعة والمقروءة، ولم يشفع لشيعة العراق وأكراده كل ما عانوه من عنت وقتل وتشريد على يد الرئيس العراقي السابق صدام حسين، ولم تؤخذ بنظر الاعتبار مواقف بعض الشيعة العراقيين والعرب المضاد بل المعادي للامريكان، ولحد هذه اللحظة، ولم يلتفت أحد إلى دور امريكا بدعم (الجهاد السني) في افغانستان ضد المحلتين الروس الكفرة، ولم يلتفت أحد إلى معاهدة كامب بديفيد ولا معاهدة اوسلو، المهم إن شيعة العراق بشكل عام تجاوبوا بشكل وآخر مع القرار الامريكي بازاحة صدام حسين وكفى...
بقيت التهمة تلاحق شيعة العراق لحد الآن ولم يلتفت أحد إلى قرار الشعب الليبي بالاستعانة بالولايات المتحدة الامريكية علنا وبشكل فاصل وقاطع من أجل ان يتخلص من طغيان معمر القذافي، الناتو حضر بكل ثقله في المعركة (السنية الجهادية) للشعب الليبي للتحرر من ديكتاتورية القذافي، ولكن لم نسمع أي إدانة من حماس أو من المثقفين (السنة) أو من الاخوان المسلمين في مصر بل ولا حتى من الحواضر العلمية الدينية المعروفة سنيا، لم نسمع أي إدانة لقوات المجلس الليبي الاعلى بالخيانة والعمالة ومجافاة الاسلام وما إلى هنالك من تهم تعرض لها شيعة العراق بشكل مثير ومدهش حقا، وذلك بالقياس إلى هذه المفارقة!
وهل هي المفارقة الوحيدة هنا؟
لا بطبيعة الحال، فالمعارضة السورية تلح على ضرورة التدخل الخارجي لحماية الشعب السوري أو الثوار السوريين، هناك إلحاح إلى حد التوسل، ولست بصدد إدانة هذا الموقف، فكل معارضة هي أعرف بمواقفها، ولكن أردت أن اشير إلى عقم العقل السياسي العربي، حيث الانحصارية في التقويم والقييم، فهذا العقل سني بحت، أي بالمعنى الطائفي المقيت، أو شيعي بحت، وبذلك بذات المقياس الضيق.
أكثر من هذا وذاك...
شيعة العراق تجاوبوا أو لم يعترضوا على القرارالامريكي في توجيه ضربته لصدام حسين، ولكن الثوار المجاهدين في ليبيا ذهبوا بانفسهمم إلى الناتو، كذلك غيرهم، وما ابعد المسافة بين حالة شيعة العراق والاخرين فيما إذا اردنا أن نضع النقاط على الحروف بامانة وموضوعية.
اليوم وقد ساهم الناتو مساهمة فاعلة ناشطة في إنهاء حكم القذافي، حيث تتنادى قوات هذا الحلف النصراني الاستعماري الكافر عدو الاسلام والمسلمين بانها سوف تبقى مرابطة بشكل وآخر على أرض عمر المختار، هل من صوت (سني) يهتف بـ (لا)؟ وهل من نبش تاريخي مقيت عن مواقف ربما كانت مؤذية لبعض الليبيين تجاه الشعب الليبي والاسلام في علاقتهم مع الاستعمار الايطالي؟
لا استبعد أن فتوى ربما تخرج من هذا العالم (السني!) أو ذاك تجيز الاستعانة بالكافر من أجل خلاص الامة من طغيان القذافي وأمثاله، لا استبعد ذلك أبدا، ولكن حتى لو صدرت مثل هذه الفتوى، ستبقى اللعنة تطارد الشيعي العراقي لانه تجاوب أو تغافل عن الضربة الامريكية لنظام صدام حسين، فعليه حرام ولغيره حلال!
العقل الاسلامي السياسي بشكل عام مأزوم، مأزوم هنا، ليس سويا لا بهويته الشيعية ولا بهويته السنية، لانه عقل طائفي انحصاري أساسا، لا يرتجى منه خير، والحيادية لا يعرفها أبدا، ولانه مأزوم فالامة هي الاخرى مأزومة، لان له السطوة على ضمائر المسلمين أكثر من غيره...
القرضاوي يدين شيعة العراق بطرف خفي لانهم تجاوبوا أو تغافلوا الضربة الامريكية لنظام صدام، كان ذلك بمثابة نحر حقيقي للتوحيد والنبوة، ولكن عندما يستعين سنة ليبيا أو سنة أي دولة أخرى بالامريكان، استعانة ليست معنوية عارضة، بل استعانة عسكرية بالصميم، يتناهي الصمت على لسان الشيخ القرضاوي وغيره.
لست بصدد دفاع عن شيعة العراق أو سنة ليبيا، بل بصدد مقاييسنا الفجة، حيث تختلط الاوراق، فتضيع الحقيقة، ويسود الباطل...
ماذا يفعل الليبيون وهم يواجهون هذه الطغمة الفاسدة، القوة الغاشمة؟ ماذا يفعلون وقد أذاقهم القذافي مرارة الحياة؟ إنها تجربة الشعب العراقي وبالاخص شيعته وأكراده مع طاغية عصره صدام حسين؟ أم أن المقاييس تنقلب راسا على عقب، فما تحكمُ به حقا تحكم به باطلا حينما يتغير موضوع الحكم ومتعلَّقه؟
هذه الامة منكوسة!