1:
بكل تواضع وافتخار في نفس الوقت كنت قد كتبت قبل شهر تقريبا مقالا في إيلاف مشيرا إلى أن إيلاف كانت من أسباب ما تشهده المنطقة العربية في هذه الأيام من تحركات شعبية عارمة، تطالب بالتغيير، التغيير الشامل، وقد كان هناك تحفظ أو تردد في البداية، فقد يكون أمرا محرجا أن يكتب أحد كتاب إيلاف مشيدا ومادحا إيلاف، فالأمر يعود قبل كل ذلك الى القراء بطبيعة الحال، ولكن كتاب إيلاف هم أيضا قراء، ولذلك كتبت إنطلاقا من كوني قاريء ولست كاتبا في هذا الموقع الخطير.


2:
ولكن سؤالي هنا، هو كيف نقيِّم إيلاف؟ ربما نهرع إلى الكم الها ئل من القراء الذين يدخلون على إيلاف، بما في ذلك أهم صناع القرار السياسي في الوطن العربي كما تشير بعض المعلومات، وليس في ذلك شك، مادامت أ خبار إيلاف ساعة بساعة، وما دامت إيلاف تعتمد الخبر الموافق لمسيرتها الليبرالية أو المخالف لمسيرتها هذه، وربما نرجع في هذا التقييم إلى هذا الاخراج الرائع، الفني، الشفاف، المثير، وربما نرجع إلى نساء إيلاف، حيث ليس هناك الخبرالفني وحسب، بل هناك را ئحة الجسد الخفية تتسرب إلى مسامات القاريء بهدوء وشفافية وغنج، وربما نرجع إلى فكرة المدونة الايلافية التي تنطلق من احترام حق الملكية الفكرية، وضرورة حفظ تراث الفقراء من المفكرين والكتاب....
كل ذلك ممكن، وهي مصدر أحالة موضوعية في تقييم أي موقع فكري أو أخباري أو فني، ولكن في تصوري هناك ما هو أهم وأ كثر حسا سية في تقييم إيلاف، إنه الجانب الفكري، الفكر، باعتبار أن حركة التاريخ انعكاسا لحركة الفكر، وإن الفكر هو الممون الحقيقي لحركة التاريخ، ونقطة القوة في هذه الناحية لا ترجع إلى كون إيلاف حاملة الراية الليبرالية الفكرية، بل لأنها زاد فكري مستمر، زاد فكري يومي، بل زاد فكري في كل لحظة، فأ نت بين يدي كتاب مفتوح على طول كما يقولون، وكتاب متنوع، متجدد، مثير، يحمل لنا في كل لحظة جديدا، فإيلاف مكتبة، بكل معنى الكلمة.
ويتأكد هذا المنحى في تقييم إيلاف في تصوري عندما نعرف وبكل وضوح إنها لم تكن حكرا على الفكر الليبرالي من حيث الهوية وحسب، أي لم تكن ليبرالية لليبراليين وحسب، بل كانت مفتوحة الصفحات حتى للذين يدافعون عن فكر سلفي أحيانا، ليس إنتصارا للفكر السلفي، بل انتصار لليبرالية بحد ذاتها، فهي تؤدي رسا لة الليبرالية فكرا وتطبيقا، وليس فكرا مجردا عائما غائما إدعائيا.


3:
تحولت إيلاف الى مدرسة للتأسيس سواء على صعيد الشكل أو المضمون، فهي (أم) المواقع الليبرالية الرصينة، وهذا يكفيها فخرا، ويمضي لها شرف البداية التاريخية في هذا المجال الرحب الذي نفتقر له نحن العرب، وقد أثبتت إيلاف إنها مشروع قابل للتجدد، قابل للتطور، فلم تثنها مواقف بعض الانظمة السلبية والمعادية والمحارِبة من أن تواصل مسيرتها الحرة الذكية، وفيما تتناثر أخبار التحركات الشعبية في تونس ومصر واليمن والبحرين وليبيا، تفرد إيلاف لكل من هذه التحركات ملفا خاصا، يتابع التطورات والتحولات أولا بأول، الامر الذي يمكنها من احتكار القاريء، فكيف إذا كان الامر مع ذلك تحتشد صفحاتها كتابة وتحليلا ونقدا وتقييما لذات التحركات، وبهذا، جمعت بين الخبر والسياسة بمهارة، فهناك مادة جاهزة لكي تحلل ما يحدث، وهناك مادة جاهزة لكي تنقد، وهناك مادة جاهزة لكي تمارس دورك كاتبا، فكيف وكل هذا لا تتحول إيلاف إلى مائدة فكرية وخبرية وتحليلية سارية؟ وكيف وهذه الحال لا يمكن القول بان إيلاف كانت من أسباب هذه التحركات الشعبية التي تجتاح العالم العربي المطالبة بالتغيير.


4:
القاريء في ايلاف يجد نفسه ويجد ضده، يجد فكره ويجد نقده، يجد إثبا ته ويجد نفيه، يجد صلاته ويجد خمره، يجد أمله ويجد يأسه، كل حسب مذاقه وفكره وأ منياته، كل حسب ثقافته وفلسفته، كل حسب منحاه وتاريخه والمستقبل الذي يفكر به، وهكذا تتحقق ا لليبرا لية الثقا فية في إيلاف، شكلا ومضمونا، جوهرا وعرضا.
أتمنى على إيلاف أن تعقد مؤتمرا سنويا لها، تستضيف فيه كبار الكتاب وا لاعلاميين، تستعرض فيه تجربتها، وتتحدث فيه عن طموحاتها، ومشاريعها، وتتكلم فيه عن حركة الحيا ة في الفكر الليبرا لي، فهي أ ولى بمثل هذا المؤتمر من غيرها من المواقع الالكترونية، فقرا ؤها بمئات الالاف فيما قراء اخطر جريدة عربية قد لا تتجاوز الالاف...
قبلة لايلاف، ومزيدا من عري الحقيقة، لان عري الحقيقة هو الذي يشجع على سفاحها، فتنتج حقائق وحقائق.