1:

مقتل ابن لادن ربما يشكل انتصارا ضد الارهاب كسلوك وممارسة وخطة عمل، اي ضد الارهاب على مستوى ستراتيجي وتكتيكي معا، ولكن السؤال عن مدى انعكاس مقتل ابن لا دن على الارهاب على مستوى ثقافة وفكر ورؤية وفلسفة، هذه هي النقطة الحساسة التي يجب على الاعلام واهل الفكر قراءتها ومراجعتها بدقة واستفاضة وعمق، وفيما يتجاذب هؤلاء الكلام حول أثر مقتل ابن لادن على الاستعداد النفسي للارهابيين، ومقدار الاحباط الذي يمكن أن يلحقه بهم، وبآمالهم، يتناسون الكلام حول النقطة المذكورة، وهي النقطة الاهم في كل هذه العملية.

2:
اضحى الارهاب فلسفة قائمة بحد ذاتها، والشيء الخطير هنا، حتى الجهاد بالمعنى الاسلامي تحول من وسيلة الى غاية، فالجهاد فريضة ليس بعنوان مقدمة لنشر الاسلام أو الدفاع عن ارض المسلمين، أو ما شابه من غايات واهداف سطرها فقهاء الاسلام في بحوثهم، بل هو بحد ذاته غاية، فهو، فلسفة وليس تفلسفا، وهو هدف وليس وسيلة، وهو عمل يومي، ووجهه الابرز هو القتال، القتال الدموي، خاصة ضد (الكفار).
إن سيف ابن لادن هو السيف الماضي، لا نه قرر القتال على أي حال، وفي أي حال، ومهما كانت النتائج، والمسلم الذي لا يقتل كافرا أو مخالفا يموت جاهليا، ولهؤلاء سند يعتمدون عليه، مؤداه أن النبي جاء بأمرين، هما القرآن والذبح، وتشير الرواية أن النبي مرر اصبعه على رقبته حين قال هذا الكلام، أي كان النبي يبشر بالذبح كأحد أهم مقومات الدين الذي جاء به!
هنا هي النقطة الحساسة، ونحن نقرا نتائج مقتل ابن لادن، فهل مقتله كفيل بحذف أو تحجيم هذه الثقافة المرّة؟
الجواب لا بطبيعة الحال، لان الثقافة أعمق وارسخ من أن تتحول أو تنسخ أو تستنسخ أو تهذب بسهولة، بحادث عابر.... ربما العكس هو الصحيح في بعض الاحيان، أي أن مقتل ابن لادن قد يرسخ هذه الثقافة أكثر في أعماق أصحابها، ودواخل روادها، انطلاقا من الثار، بل وانطلاقا من القول، أن خوف الغرب من ابن لا دن هو الذي دعاه الى قتله، وبالتالي، فإن منهج ابن لادن هو الوحيد الذي ينفع مع الاخر، ا لكافر، المشرك، الصليبي، الرافضي، المهادن...

3:
القول با ن القتال أو سنة القتال تحول الى ثقافة في ضمير الكثيرين من أبناء المجتمع المسلم يحمل بعض الصحة، وهو أمر يثير الخوف، ولكن ينبغي هنا أن نميز بين قتال وآخر، فإن القتال في سبيل الحقوق ربما مشروع، وبشروط ذكرها أهل القانون والفقه والسياسة، لا تخرجه عن كونه وسيلة وحسب، ووسيلة محسوبة بشرط وشرط، فمن المعروف في الفقه الاسلامي أمية الدم والعرض والمال، المحرمات الثلاثة، هناك تحرج من التعامل مع هذه المحرمات بسهولة، ولين، وتساهل، تحرج شديد، وقد أُتهم أكثر من فقيه بانه جبان، لانه تعامل مع هذه المحرمات بحذر شديد، ولكن بعض الفقهاء، وممن عشق القتال كهاوية ثم حرفة، وتفاعل مع الدم المسفوح بمهانة وبساطة، حولوا هذا القتال الى غاية كما قلت، الى مطلب قائم بحد ذاته، وصار الحديث عن الجهاد هو الوسيلة والغاية معا، هو الآلية والموضوع معا، فكانت الكارثة.

4:
ولكن هل ننسى دور الغرب أيضا في زرع مثل هذه الثقافة في ضمائر أصحاب هذه الفلسفة.
الظلم العالمي هو الاخر مسؤول عن زرع أو ترسيخ أو تسويغ مثل هذه الثقافة، ثقافة القتال بحد ذاته، ثقافة العنف بحد ذاته، ولو كانت هناك أنظمة عالمية ترعى حقوق الشعوب حقا، ولو كانت هناك أنظمة عربية ومسلمة تراعي حقوق الانسان أصلا، لما كانت ظاهرة ابن لا دن، وفيما يستمر الظلم العالمي، وفيما يستمر عنف السلطة، واحتكارها، وفيما يستمر التناقض الطبقي،وتستمر فلسفة الحكم العشائري والطائفي، فإن ابن لادن سيبقى على قيد الحياة.
5:
المثقفون مدعوون الى معالجة النقطة هذه، بلغة علمية صريحة، والمثقف إذا لم يبادر في طرح هذه النقطة بشدة وسطوع والحاح يشارك في تأسيس أو تمتين هذه الثقافة العدوانية الشريرة، فابن لادن ليس شخصا، بل ظاهرة، و الجهاد تحول الى غاية بحد ذاته، والفقه في جهود كثير من الفقهاء تنازل عن الحذر في قضايا الدم والمال والعرض، وبالتالي، مقتل بن لا دن لن يقضي على ظاهرة الارهاب، او بتعبير اكثر دقة، ثقافة الارهاب.